أهْلِ العِلْمِ باسْمِ: التَّخَصُّصِ العِلْمِيِّ!
يُوَضِّحُه: أنَّ الفَقِيْه مِنْهُم (مَثَلاً) مِمَّنْ لَهُ مُجْمُوْعَةٌ مِنَ التَّآلِيْفِ الفِقْهِيَّةِ، والتَّحْقِيْقَاتِ الجَامِعِيَّةِ الَّتِي نَالَتْ مَرْتَبَةَ الشَّرَفِ ... مَا زَالَ يَعْتَذِرُ عَنِ المُشَارَكَةِ فِي قَضَايا أمَّتِه الإسْلامِيَّة: بأنَّ مَا يَدُوْرُ هُنَا لَيْسَ مِنْ تَخَصُّصِه، وهَذَا مَا نَجِدُه فِي الأعَمِّ الأغْلَبِ مِنْهُم!
هَذَا إذَا عَلِمْتَ (للأسَفِ) إنَّ أمْثَالَ هَذَا الفَقِيْهِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنا قَدْ تَجَاوَزَتْ أعْدَادُهُم المِئَاتِ، وقِسْ عَلَى هَذَا: صَاحِبَ العَقِيْدَةِ والتَّفْسِيْرِ والحَدِيْثِ، واللُّغَةِ وغَيْرِهِم.
ومَهْمَا يَكُنْ؛ فَلا تَعْجَبْ يَا طَالِبَ العِلْمِ إذَا عَلِمْتَ أنَّ القَوْمَ كَانُوا صَرْعَى التَّخَصُّصَاتِ العِلْمِيَّةِ، ونَتَاجَ الوَافِدِ الغَرْبِيِّ، واللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُوْنَ!
* * *
كَمَا كَانَ مِنْ آخِرِ سَوَالِبِ التَّخَصُّصِ الجَامِعِيِّ هَذِه الشَّارَاتُ والألْقَابُ (الجَامِعِيَّةُ!) ()؛ الَّتِي دَفَعَتْ طَائِفَةً مِنَ المُنْتَسِبِيْنَ إلِى قَبِيْلِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ، مِمَّنْ تَشَاغَلُوا بِهَذِه الأسْمَاءِ، وانْسَاقُوا جَرْيًا وَرَاءها السِّنِيْنَ الخَوَالِيا، إلى دُخُوْلاتِ العَطَالَةِ المُغَلَّفَةِ باسْمِ: (الحَصَانَةِ الجَامِعِيَّةِ)، فَماذَا كَانَ؟!
وَيَكْأَنَّ القَوْمَ؛ لَمْ يَنْصُرُوا حَقًّا، ولَمْ يَكْسِرُوْا بَاطِلاً: فَلا أمْرًا بِمَعْرُوْفٍ ولا نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، ولا جِهَادًا ولا اجْتِهَادًا؛ بَلْ رَأيْنا مِنْ بَعْضِهِم مَنْ كَانَ مُجِدًّا فِي الطَّلَبِ والطَّاعَةِ؛ حَتَّى إذا أوْحَى إلَيْه شَيَاطِيْنُ الإنْسِ والجِنِّ بأهَمِّيَةِ هَذِه الشَّارَاتِ والألْقَابِ ... إذا بِهِ يُصْبِحُ فَاتِرَ العَزِيْمَةِ، ذَابِلَ الطَّاعَةِ، قَلِيْلَ الاجْتِهَادِ والمُجَاهَدَةِ؛ أمَّا إذا سَألْتَ عَنْ الزهد وجَلَدِ الطَّاعَةِ، وهَيْبَةِ أهْلِ العِلْمِ ووَرَعِهِم: فَلا تَسْأَلْ؟، فتِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ، إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي، وقَلِيْلٌ مَا هُم!
وهَكَذَا حَتَّى أصْبَحَ أهْلُ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ فِي هَامِشِ الذَّاكِرَةِ الإعْلامِيَّةِ، وفِي زَوَايا الجَامِعَاتِ العِلْمِيَّةِ، وذَلِكَ (للأسَفِ) باسْمِ: التَّخَصُّصِ الجَامِعِيِّ!
* * *
ثَانيًا: اعْلَمْ أنَّ فَهْمَ عُلُوْمِ الآلَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
القِسْمُ الأوَّلُ: فَهْمٌ وَاجِبٌ، وهُوَ مَا يَسْقُطُ بِه الطَّلَبُ وتَبْرَأُ بِه الذِّمَّةُ، وهُوَ القَدْرُ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيْهِ عَامَّةُ أهْلِ العِلْمِ، وهَذَا القِسْمُ لا يَجُوْزُ لطَالِبِ العِلْمِ القُصُوْرُ فِيْه ... كما أنَّه سِلاحُ طُلابِ العِلْمِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ كُتُبِ أهْلِ العِلْمِ الفِقْهِيَّةِ مِنْهَا والعَقِيْدَةِ والحَدِيْثِ والتَّفْسِيْرِ وغَيْرِها؛ فبِهَذا القَدْرِ مِنْها يَسْتَطِيْعُ مَعْرِفَةَ لُغَةِ واصْطِلاحِ القَوْمِ فِي فُنُوْنِهِم، ومَا زَادَ عَلَى هَذا الحَدِّ فَهُو فُضْلَةٌ لا يَحْتَاجُه إلاَّ مَنْ رَامَ مَرَاتِبَ الاجْتِهَادِ!
القِسْمُ الثَّانِي: فَهْمٌ مُسْتَحَبٌّ، وهُو الإحَاطَةُ بَغَالِبِ عُلُوْمِ الآلَةِ المُخْتَصَرَاتِ مِنْها والمُطَوَّلاتِ؛ بِحَيْثُ لا يَتْرُكُ مِنْها شَارِدَةً ولا وَارِدَةً إلاَّ وَقَدْ أحَاطَ بِها فِي الجُمْلَةِ، وهَذا القِسْمُ فِي حَقِيْقَتِه هُوَ مِنْ مَسَالِكِ طُلابِ مَنَازِلِ الاجْتِهَادِ، مِمَّنْ عَلَتْ هِمَّتُهُم وتَاقَتْ نُفُوْسُهُم لِيَقِفُوا فِي مَصَافِ أئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، كالأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ وغَيْرِهِم.
يَقُوْلُ ابنُ القَيَّمِ رَحِمَه اللهُ فِيْمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ والكَلامِ عَنْه: ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُوْلُ: إنَّ عُلُوْمَ العَرَبِيَّةِ مِنَ التَّصْرِيْفِ، والنَّحْوِ، واللُّغَةِ، والمَعَاني، والبَيَانِ، ونَحْوِها تَعَلُّمُها فَرْضُ كِفَايَةٍ لِتَوَقُّفِ فَهْمِ كَلامِ اللهِ ورَسُوْلِه عَلَيْها؟!
¥