تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، ذلك أن الشرك محبط للعمل مؤذن بالخسارة، يقول ـ تعالى ـ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه» قال: « ... ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأُتي به، فعرّفه الله ـ تعالى ـ نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ؛ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ... » (14).

قال ابن عبد البر: «وهذا الحديث فيمن لم يُرد بعمله وعلمه وجه الله تعالى» (15).

ولما سمع معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ هذا الحديث بكى ثم قال: «صدق الله ورسوله: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 ـ 16] (16). وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من طلب العلم لغير الله ـ أو أراد به غير الله ـ فليتبوأ مقعده من النار» (17).

ذلك أن العلم الشرعي إنما يعد من أجل القرب إلى الله، والله ـ تعالى ـ لا يُتقرَّب إليه إلا بما شرع بعد الإخلاص له فيه، يقول الإمام الشاطبي: «كل علم شرعي فطلب الشارع له إنما يكون من حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى؛ فإن ظهر فيه اعتبار جهة أخرى فبالتبع والقصد الثاني لا بالقصد الأول» (18).

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تعلّم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» (19).

فيجب على طالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله تعالى، ويبادر بالتوبة والإنابة وتصحيح المسار في العمل والطلب، ويجعل همه بعلمه ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، بعيداً عن الرياء والتسمع والإخلاد إلى قليل المتاع من الدنيا، ولا شيء أعظم في ذلك دلالة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (20). وفي هذا الإطار لا بد لمتطلب العلم من التطابق بين القول والعمل؛ فقد نعى الله ـ تعالى ـ على أهل الكتاب من قبلنا التناقض بين القول والعمل، فقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]، كما نعاه على هذه الأمة، وعده من أسباب مقته جل شأنه، قال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 ـ 3]، وقد كان منهج الأنبياء قائماً على التطابق بين القول والعمل، وفي ذلك يقول ـ جل ذكره ـ نقلاً عن شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88]. يقول الإمام الشاطبي: «العلم الذي هو العلم المعتبر شرعاً ـ أعني الذي مدح الله ورسوله أهله على الإطلاق ـ هو العلم الباعث على العمل، الذي لا يخلي صاحبه جارياً مع هواه كيفما كان، بل هو المقيد لصاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعاً أو كرهاً» (21).

2 ـ معرفة الأحكام الشرعية الفرعية، سواء أكانت عينية أو كفائية، وسواء أكانت من العبادات أو المعاملات:

وهنا يطيب لي التنبيه على الأولويات التي ينبغي أن يهتم لها طالب العلم، فليس كل علم حري بالدراسة، وما كل علم قَمِن بالاهتمام، يقول الإمام الشاطبي: «من العلم ما هو من صلب العلم، ومنه ما هو ملح العلم لا من صلبه، ومنه ما ليس من صلبه ولا ملحه» (22).

وتحصيل الأحكام الشرعية إنما يتم عبر منهجين:

1) معرفة هذه الأحكام عن طريق النصوص من الكتاب والسنة، استقراءً ودراسة وفهماً واستخلاصاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير