تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبيان هذين الشرطين كالتالي:

أ - علوية المصدر

إننا نرى أن ما يسمى بفلسفة الأخلاق أو المذاهب الأخلاقية، هي نتاج لجهد بشري مجرد، مهما اختلفت تلك الفلسفات أو المذاهب فيما بينها، فهي تماما كاختلاف منتجات البشر الاستهلاكية، والتي يظهر فيها التباين الشديد، مع اتفاق - بل تطابق - جميعها على عنصر واحد، هو كونها منتجات بشرية.

ونظرا لبشرية هذه المنتجات الأخلاقية، فإنها تعبر في نفسها عن مصدرها الذي أنتجها، ومن هنا جاءت الأخلاق محصورة في جهات محدودة هي: العقل، والمنفعة، والذوق.

ومن هنا نرى كيف اختلف البشر فيما بينهم في قضية الأخلاق، وهذا يعني أن جهة من الجهات لو طبقت مذهبها الأخلاق على القاعدة البشرية، فإن ذلك يعد ولا شك امتهانا للقاعدة البشرية، ويكون امتهانا أكبر للطوائف التي لها مذاهب أخرى في الأخلاق تختلف عن المذهب الذي تسعى جهة بعينها إلى تطبيقه وتعميمه. فتكون النتيجة هي تصارع السلطات والقوى التي تمثل هذه التوجهات، وهو صراع طبيعي جدا؛ فإنه ليس لأنصار مذهب من تلك المذاهب أي حق ابتداء ليحكّموا مذهبهم – الذي هو منتجهم الخاص – على غيرهم ممن لهم مذاهب مخالفة لمذهبهم – أي لهم منتجاتهم الخاصة بهم -. ومن هنا تصير قضية الأخلاق صراعا فوضويا، ولا تتحقق معه أية أخلاق، ولو تحكّمت جهة وتغلبت وطبقت أخلاقها الاجتهادية الخاصة على غيرها من الجهات أو على عموم الناس، فهنا سيهدم أول وأكبر مقوم أخلاقي، ألا وهو إنسانية الإنسان، وكرامته التي لا تقبل أن يحكمه غيره بفكره هو، وقد تساوى معه في كونه إنسانا، ولكل منهما فكره. ومن هنا سيتحول المجتمع إلى حظيرة فيها كائنات كانت يوما ما بشرا، ويقوم على هذه الحظيرة ويتصرف فيها عدد قليل من الناس يفرضون أهوائهم ومذاهبهم على من بالحظيرة، بعد أن سلبوهم إنسانيتهم، بتحكيم مذاهبهم الشخصية فيهم وقد خالفوها.

ب – ثبات المصدر

إنه كما تختلف التوجهات البشرية فيما بينها حول مصدرية الأخلاق، بين العقل كما هو مذهب أرسطو، والمعتزلة الذين تأثروا بالفسفة اليونانية في عقيدتهم، وكما يقوله مؤيدوا مذهب العقل الجمعي، وبين المنفعة كما يقوله جريمي بنتام و جون ستوارت، وبين الذوق كما يقوله الرواقيون .. إنه كما تقع الاختلافات بين التوجهات البشرية، فإن المضامين والحقائق ذاتها تختلف داخل التوجه الواحد المؤسس على أصل واحد!

فلو نظرنا إلى اتخاذ العقل مصدرا للأخلاق .. فعقل من؟ عقل الشرقيين أم عقل الغربين؟ عقل أرسطو أم عقل ابن سينا أم عقل أفلاطون أم عقل ابن رشد أم عقل بيتر دركر أم عقل بل جتس؟ .. عقل من تحديدا؟ من أين نأتي بأخلاق لنقول هذه هي الإخلاق؟ إنه معلوم بديهة أن كل من يقول (هذه هي الأخلاق) فإنه ينفي صفتها عن الأفعال الأخرى، فلو اختلفت العقول في تحديد الأخلاق، فقال بعضها هذه هي الأخلاق، وقال بعضها الآخر لا ليست هذه بل تلك هي الأخلاق .. فما هي الأخلاق؟! .. إننا نتكلم في المصدر!! أي أنه لا يتأتى هنا أن يقال: إذا اختلفنا رجعنا إلى المصدر المتفق عليه .. فنحن نقف عند منطقة المصدر المتفق عليه فعليا! فإذا كان هذا المصدر ذاته مختلف على نفسه .. فإلى أي شيء نرجع لنحسم هذا الخلاف؟!!

وقل مثل ذلك في اتخاذ المنفعة مصدرا للأخلاق .. منفعة من؟ وعلى حساب من؟ .. وإذا كانت المنفعة ذاتها – كمصدر – تختلف على نفسها هي نفسها! فإلى أي مصدر نرجع بعدها؟!

ومثل ذلك يقال في اتخاذ الذوق مصدرا للأخلاق .. ذوق من يقبل؟ وذوق من يرفض؟ ذوق الغربيين الآن ممن لا يغيرون على أعراضهم، ويعتبر أحدهم أنه من الأخلاق أن يحترم خصوصية زوجته مع صديقها؟!! أم ذوق الرجل القاسي الذي يغير فوق الحد الممدوح شرعا فيؤذي زوجته أو يؤذي غيره بلا مبرر؟ .. وحتى إن قلنا هو ذوق الفضلاء من الناس، فما ضابط الفضلاء؟ وحتى إن قلنا هم معرفون للناس بالطبع فتظل الأخلاق متأرجحة بين هؤلاء الفضلاء أنفسهم .. ففضلاء العرب ودول آسيا مثلا يختلفون عن فضلاء الغرب، فالعرب ودول آسيا يعدون من الفضيلة أن تخدم المرأة زوجها وتهضم حقوقها كاملة معه ولو ضربها وسبها وفعل ما فعل، فلو وصفت هذه المرأة عندهم فهي العملة النادرة التي تشترى بالغالي والنفيس، وفضلاء الغرب يعدون من الفضيلة أن يتقاسم الرجل والمرأة كل الأعمال، وألا يمنع الزوج زوجته من العمل خارج

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير