تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{وورث العالم الإسلامى - مع الأسف - ذلك التراث الإغريقى - وأن لبس ثوبا إسلاميا - على أنه " العقيدة الإسلامية " أو على أنه " الدراسة العلمية للعقيدة الإسلامية "}

كأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا " هم " أصحاب هذه العقيدة وأكثر الناس فهما لها وقربا من حقيقتها .. دونما حاجة إلى هذه المعاظلات الذهنية الباردة السخيفة.

وما زال هذا التراث الإغريقى فى ثوبه الإسلامى المزيف هو الذي نقدم من خلاله العقيدة الإسلامية للدارسين فى كل معاهدنا الإسلامية من المحيط إلى المحيط!

ولم يكن هذا جناية الفرق وحدها ...

فلئن كانت القضايا الذهنية التجريدية هى مشغلة " المثقفين " الذين أغوتهم الفلسفة الإغريقية فصنعوا بها " لاهوتا " إسلاميا كما صنع النصارى من قبل فى لاهوتهم المسيحى .. فإن الفكر الإرجائى بجميع شعبه وألوانه كان على امتداد الزمن أشد خطرا على العقيدة الإسلامية والحياة الإسلامية من كل معاظلات الفلسفة التى دخلت فى دراسة العقيدة.

القول بأن الإيمان هو التصديق، أو هو التصديق والإقرار على أحسن الفروض , وإخراج العمل من مسمى الإيمان، كان من أخطر المزالق التى أدخلتها الفرق على تلك العقيدة الصافية ومفهومها الصحيح.

وإذا كان هذا الانحراف الخطير فى فهم عقيدة التوحيد لم يؤثر لتوِّه فى الحياة الإسلامية، لأن الدفعة الحيوية الهائلة التى أطلقها الإسلام فى واقع الحياة كانت ما تزال تتدفق فى صورة " عمل " واقعي بمقتضى هذه العقيدة، فإنه تدريجيا مع الميل البشرى الطبيعى إلى التفلُّت من التكاليف، حيث تقاعس المجتمع بشكل مستمر عن العمل بمقتضى هذا الدين، اكتفاء بأن حقيقة الإيمان مستقرة فى القلب، مادام الإنسان قد صدق وأقر بأنه لا إله إلا الله! وأنه ما دامت هذه الحقيقة مستقرة فى القلب فقد" تم " الإيمان المطلوب، ولم يعد يضر مع الإيمان شئ!

إن إخراج العمل من مسمى الإيمان فى هذا الدين الذى نزل لينشئ " واقعا " معينا تحكمه شريعة الله ومنهجحه للحياة، أمر مذهل فى محرد تصوره، فضلا عن أن يصدر عن " علماء " معتبرين فى تاريخ هذه الأمة!

كيف يتصور أمر هذا الدين حين يكون تصديقا بالقلب وإقرارا باللسان، دون عمل بمقتضى هذا التصديق والإقرار فى واقع الحياة؟!

ألهذا أنزل الله دينه وأرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟!

لمجرد أن يصدق الناس بقلوبهم ويقروا بألسنتهم، ثم يتركوا واقع الحياة تحكمه الجاهلية التى لا تصدق بقلبها ولا تقر بلسانها؟!

فتحت تأثير الخدر الذى أنشأه الفكر الإرجائن، والذى مقتضاه أن الإنسان مؤمن كامل الإيمان بالتصديق والإقرار ولو لم يعمل بمقتضيات الإسلام.

والخدر الذى انشأته الصوفية سواء فى تهويمات " الذكر " أو فى إطماع العبد فى مغفرة ربه بدون أن يعمل بمقتضيات الإسلام.

وتحت تأثير الاستبداد السياسى الذى يجعل كل إنسان ينشغل بخاصة نفسه، ولا يلتفت إلى مصالح الجماعة ولا حاجة الأمة .. مصحوبا ذلك كله بالتفلت من التكاليف ..

تحت تأثير ذلك كله غفت الأمة الإسلامية غفوة طويلة امتدت فترة قرنين من الزمن على الأقل إن لم يكن أكثر، تقابل من تاريخ أوروبا قرنيها الثامن عشر والتاسع عشر، قرني الصعود الأوربي نحو السيطرة والتمكن، والتقدم العلمى والحضارى.

كانت أوروبا قد برئت من آثار قرونها الوسطى المظلمة، وأقامت - عن طريق ما استمدت من العالم الإسلامى، علما وحضارة - حركة قوية فى جميع الاتجاهات، وإن كانت فقيرة كل الفقر فى الناحيتين الروحية والأخلاقية.

أما العالم الإسلامى فقد كان فى نفس الفترة قد غفا غفوته الطويلة بتأثير ذلك الخدر المزدوج الذى أشرنا إليه، وبتأثير الاستبداد السياسى والتفلت من التكاليف، فكان على المنزلق الهابط فى نفس الوقت الذى تبذل أوروبا كل جهدها للصعود.

فى المجال العلمى حدث تقلص ضخم، أبعد - بالتدريج - كل العلوم " الدنيوية " من معاهد العلم!

في ذات الوقت الذي اقتصرت فيه العلوم الشرعية على فكر القرن الخامس علي أكثر تقدير، مع الفارق الكبير بين الأصالة التي كان عليها فكر القرن الخامس، والتقليد الذي تلا ذلك من القرون، وظل (يتحجر) قرنا بعد قرن ‍

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير