فكلاً أخذنا بذنبه
ـ[ماهر]ــــــــ[10 - 12 - 09, 10:09 م]ـ
خطبة الحقيل 24/ 12/1430، فكلا أخذنا بذنبه ..
الحمد لله القوي القهار العزيز الجبار؛ يعذب من يشاء بعدله، وينجي من يشاء برحمته، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وهو على كل شيء قدير؛ نحمده فهو أهل الحمد في السراء والضراء .. وليُ النعماء، ودافع البلاء، ومجيب الدعاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا نجاة من عذابه إلا بطاعته، ولا مفر منه إلا إليه، هو مقصدُ المنيبين، وأمانُ الخائفين، وملاذُ التائبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أعلم الناس بالله تعالى، وأكثرهم رجاء له، وخوفاً منه، وكان إذا تخيلت السماء تغير لونه، وخشي أن يكون عذاباً، فإذا مطرت سُرِّي عنه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى؛ فإنه لا نجاة للعباد من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة إلا بالتقوى [وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] {الزُّمر:61}.
أيها الناس: من عرف الله تعالى حق المعرفة بأسمائه وصفاته وخلقه وآياته مع هدايته للإيمان واليقين قام في قلبه من مهابة الله تعالى وتعظيمه وإجلاله ما يدفعه للطاعات، ويحجزه عن المحرمات؛ محبة لله تعالى، ورجاء ثوابه، وخوفاً من عذابه، وكلما ازداد علمُ العبد بربه ويقينُه ازداد مهابة له، وخوفاً منه.
ولذا كان أشد الخلق خوفاً من الله تعالى من كانوا أعلم به سبحانه وهم الرسل والملائكة عليهم السلام، قال سبحانه وتعالى في الملائكة [وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ] {الأنبياء:28}.
وقال في الرسل عليهم السلام [وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا] {الأنبياء:90} وقد نهى الله تعالى عن الخوف من غيره عز وجل فقال يخاطب المؤمنين [فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {آل عمران:175} وفي آية أخرى [أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ] {التوبة:13} قال أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى: ما فارق الخوف قلباً إلا خرب.
إن من قرأ كتاب الله تعالى، وعلم ما اتصف به ربنا سبحانه من العظمة والعزة والقهر والقوة والجبروت والقدرة مع تدبره لما يقرأ امتلأ قلبه بالرهبة والخوف من الله تعالى مع محبته وتعظيمه ورجائه وإجلاله؛ ففي القرآن الكريم أن ربنا جل في علاه هو [المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ] {الحشر:23} وفيه أيضاً [إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {البقرة:220} وفيه [إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] {الحج:40} وفيه [إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {البقرة:20} وفيه [وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ] {الأنعام:18} وفيه عشرات الآيات القرآنية التي تبين شيئاً من أسماء ربنا الحسنى، وصفاته العلى لا يملك قارئها إلا أن يسبح الله تعالى ويكبره ويذكره.
ثم إذا تأمل المؤمن حاجة الخلق إلى ربهم، وغناه سبحانه عنهم، وقدرته تعالى عليهم مع عجزهم عن ردِّ عذابه أو تخفيفه أو النجاة منه سعى فيما يرضيه، وجانب ما يسخطه قال الله تعالى لنبيه محمد ^ [وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ] {المؤمنون:95} وفي آية أخرى [قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ] {الأنعام:65}
لقد قرأنا في القرآن أن ربنا سبحانه وتعالى مع كمال قدرته وقوته وعزته وكبريائه وقهره وجبروته لما عذّب من استحقوا العذاب من خلقه كان عذابه أليماً شديداً، وقد قص ذلك علينا لنحاذر سخطه، ونجتنب أسباب عذابه [وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {البقرة:196} وفي آية أخرى [إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ] {إبراهيم:47} وفي ثالثة [وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ] {البقرة:165} وفي رابعة [إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] {هود:102} وفي خامسة [وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ] {الرعد:13} وفي سادسة [وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ] {الحج:2} وآيات أخرى كثيرة تثبت شدة عذاب الله تعالى، وقوة بطشه، وسرعة انتقامه.
¥