[هل نحن متوكلون على الله؟]
ـ[حامد الإدريسي]ــــــــ[13 - 01 - 10, 04:53 م]ـ
كلنا متوكلون على الله، عندما نسأل عن ذلك، لكن في حقيقة الأمر، إن كثيرا منا متعلق بالأسباب …
فهل أنت متوكل حقيقة؟
لقد حاولت في هذا المقال أن أتتبع مظاهر التوكل ومظاهر الاعتماد على الأسباب، فالفرق بين الحالتين دقيق جدا، وقد يكون الإنسان غارقا في التعلق بالأسباب، وهو يظن أنه متوكل على الله…
وإليك المقال…
بين التوكل والتسبب
لقد أراد الله من عباده حين كلفهم بما كلفهم به، أن يخلصوا له العبادة بجميع الجوارح، وبما أن القلب ملك الجوارح، فقد كلف بعبادات كثيرة، يسميها بعض العلماء أعمال القلوب، ويسميها البعض الآخر أعمال الباطن، في مقابلة أعمال الظاهر التي هي أعمال الجوارح الأخرى.
ولعظم هذه الجارحة، علق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الفساد والصلاح عليها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه البخاري وغيره: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
ولعظمها أيضاً كان تدخلها في كل الأعمال ضروريا لقبولها أو ردها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فأي عمل لم يتدخل القلب فيه بنية صالحة، فهو عمل مردود، وإن قامت به الجوارح الأخرى كلها متظافرةً، كما أن النية الفاسدة من هذه الجارحة تفسد العمل وتبطله.
ومن عظم هذه المضغة، جعل الله اللسان خادما لها، ومعبرا عنها، ودليلا عليها، فاللسان مع عظمه إنما هو خادم للقلب، متصرف بأمره، متقلب بإرادته…
وأعمال هذه المضغة الصغيرة، ليست ظاهرة يمكن أن نراها، وهذا سر من أسرار عظمتها، لأن الظاهر قد يشوبه الرياء، وقد يسهل القيام به أمام الناس، أما عمل القلب فلا يطلع عليه إلا الله؛ لهذا تفاوت الناس في المراتب، واختلفوا في الدرجات في العمل الواحد يعملونه، فتراهم يصلون جنبا إلى جنب، وهذا في أعلى عليين، وذاك في أسفل سافلين، هذا مخلص عابد، وذاك مراءٍ منافق.
أسوق هذه المقدمة بين يديك لأعرج على أساس الموضوع، ألا وهو التوكل، تلك العبادة الخفية التي مدح الله بها عباده المؤمنين حيث قال: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون) إلى أن قال: (أولائك هم المؤمنون حقا) الأنفال2 - 3، وقال تعالى آمراً نبيه بالتوكل عليه في أمر الدعوة: (فتوكل على الله إنك على الحق المبين) النمل79، وقال على لسان أنبيائه: (وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا) إبراهيم12، إلى غيرها من الآيات التي عالجت موضوع التوكل على الله في الدعوة وفي الثبات على الدين.
وهذا مستوىً عال من التوكل…
وهناك مستوىً آخر من التوكل، تحدثت عنه آيات أخر. قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيئا قدرا) الطلاق2 - 3، وتحدث عنه رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: (لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا) [1].
لقد أردت أن أحصر الكلام في هذا النوع من التوكل، ألا وهو التوكل على الله في الرزق والمعاش، وأترك الحديث عن التوكل في أمور الدعوة، لأن كثيراً من الناس اليوم أصبح هم الرزق يُؤرّقهم، ويُسهر أعينهم، بل أصبح شغلهم الشاغل، وفتنتهم الكبرى، ولو قلت لأحدهم محاولا تخفيف همه: إن الرزق بيد الله، لقال لك: "نعم لكن لا بد من الأسباب" فيبقى قلبه معلّقا بهذا السبب قلقاً مضطرباً، يفرح به، وينزعج لفقده، ويداهن من أجله، ويذل حتى لا ينتزع منه؛ لذا فإن توضيح هذه العلاقة بين الأخذ بالأسباب وبين التوكل من الأمور المهمة التي قد تخفى على كثير من الناس…
ولنتكلم أولا في معنى التوكل:
قال أحد العلماء: «التوكل أن لا يخطر بقلبك نافع ولا ضار غيره (أي غير الله)، وأن تستسلم لكل حال يرد عليك، ولا يضطرب قلبك منه» وقال: «التوكل قطع الطمع عن الخلق وترك طلب الحيلة منهم».
وسئل الحسن البصري عن التوكل فقال: «الرضا عن الله عز وجل» [2]
¥