تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والغالب أن تصرف هذه الفئة ليس ناتجا عن ضعف حقيقي، لا يمكن إصلاحه، يؤدي إلى عدم قدرة العربي على الحديث بالعربية، وقد ولد وتربى بين أهله العرب، ودرس سني حياته الأولى بالعربية، ولكن الأرجح في هذه الحالة أن مدعي هذا الأمر، أرادوا أن يكون حديثهم باللغة الأجنبية وجها من وجوه التمييز النخبوي لفئتهم، وبلغ بهم الفراغ الفكري أن استعلوا على أمتهم ولغتهم، أو أنهم أرادوا أن يوهموا من حولهم بعلو باعهم في العلم؛ لقصور فيهم، ووجدوا أن الرطانة باللغة الأجنبية يحيطهم بهالة من الغموض الذي قد يبهر السذج من المجتمعين، فتنطلي عليهم حيلة العلم المزعوم. ومثل هؤلاء الفئة يشكلون على الأمة خطرا أكثر مما يرجى منهم من نفع. وهم جسم غريب أولى به أن يستأصل حتى لا يفسد ما حوله.

- نتباهى كثيرا بتوطين اليد العاملة في مؤسساتنا الكبرى، في حين أننا ننفق على هذه الأعداد الهائلة من الموظفين ذي اللسان العربي أموالا طائلة، ونخسر جهودا وأوقاتا ثمينة، لا لرفع مستواهم العلمي، بل لتعليمهم الإنجليزية من أجل أن يتم التعامل في تلك المؤسسات بهذه اللغة، وأصبحت إجادة الإنجليزية شرطا أساسيا للتوظيف حتى للخدم والسعاة. وكان المنطق يحتم علينا إحلال العربية محل اللغة الأجنبية، فنحفظ أموالنا وهويتنا بعد أن شكل العرب أغلب الموظفين، وذهبت تلك الحجج الواهية التي من أجلها فرضت اللغة الأجنبية لغة للمؤسسة أو الشركة.

- تحفل مؤسساتنا الثقافية والتعليمية العالية بنخبة من أبناء الأمة الغيارى على لغتهم، فتجدهم ينادون بتعريب العلوم، ويبذلون جهودا عملية للوصول إلى هذا الهدف السامي، لكن يبرز صوت نشاز في تلك الأوساط يحارب العربية، ويعطل أي إنجاز جدي للتعريب، بدعاوى متعددة، مثل المحافظة على المستوى العلمي، والتفتح على الثقافات الأجنبية، والمعاصرة، وعدم توفر الشروط الملائمة لإنجاز التعريب، أو عدم وجود مصطلحات متفق عليها، ويتجرأ بعضهم فيزعم قصور العربية في أداء نوع من المعارف أو العلوم، وكان على هؤلاء المثبطين للهمم مراجعة القصور في أنفسهم، قبل إلقاء مثل هذه الادعاءات غير المسؤولة، حيث أثبتت الجامعات السورية بالذات، قدرة العربية على الوفاء بلغة العلم الحديث. وقد تبين أن كثيرا من أفراد هذا التوجه لا يدركون أهمية اللغة في صياغة فكر الأمة وتوجهها الحضاري، وأن لديهم قصورا علميا وفكريا في فهم الأهداف المنوطة بهم. وقد ذكر الدكتور زهير السباعي تجربته الشخصية التي تدين هذه الفئة حيث قال عن تعليم الطب باللغة العربية: " كنت لا ألتفت إلى هذا الموضوع بجدية تذكر إلى بضع سنوات خلت بل قل إني كنت أميل إلى معارضته .. " ثم يذكر كيف تغير الوضع عندما التقى الدكتور أحمد محمد سليمان أستاذ الطب الشرعي، وكان من الداعين إلى تعليم الطب بالعربية، حيث يقول " فأثار هذه الموضوع بيننا وألقى فيه أكثر من محاضرة، واتضح يومها أن سلبيتي كانت من باب (من جهل الشيء عاداه) ".

- جعل اللغة الأجنبية لغة للتعامل الشفوي في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية بحجة وجود الأجنبي الذي لا يعرف العربية، بل يجب فرض العربية على جميع العاملين مهما اختلفت مواقفهم بدأ من قمة المؤسسة وحتى العمال والخدم. واعتبار إتقان العربية شرطا في البقاء في الوظيفة والترقية.

- جعل اللغة الأجنبية لغة للتعاملات الرسمية في الخطابات الدائرة بين إدارات المؤسسة أو بين المؤسسة والدوائر الأخرى، أو بإصدار التعليمات والمنشورات الإدارية والتنظيمية واللوائح القانونية بتلك اللغة الأجنبية.

- كتابة ما تستنبطه قرائح علمائنا باللغات الأجنبية وتناسي حق العربية في هذا الرافد العلمي الذي يزيدها حيوية .. وهذا موجود الآن للأسف بحجة نشره في الدوريات الأجنبية، أو أننا نريد أن يطلع الأجنبي ما ننشره في مجلتنا العلمية بلغته. وفي هذا كله، إن لم يكن رافدا يغني تلك اللغة الأجنبية، فإنه رافد حرمت منه العربية وأبناءها فاللغة تتسع وتزدهر بالاستعمال الحقيقي لها في مجالات المعرفة. كما أن أبناء العربية قد حرموا من الاطلاع على تلك البحوث والدراسات بلغتهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير