ولنقف قليلاً على ((سَوأة)) وهي ما يُستَر من عَورة الإنسان كما في قوله تعالى: ( ... كيف يُواري سوأة أخيه). وهذه تجمع على ((سوآت)) جمعاً مؤنثاً كقوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يوُاري سوءاتكم ... ).
ولكن هذه الكلمة قد وردت في آية في الكلام على آدم وحواء، فجمُعت ولم يُدلّ على التثنية وهي المقصودة في الآية إلا بالضمير الذي عاد عليهما، قال تعالى: (فوسوس لهما الشيطان ليُبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما).
أقول: وهذا باب من العربية يُراد به إحسان الأداء، وإن الكلمة ((سَوأة)) لو ثنيت فلحقها ضمير التثنية، لم تكن حسنة مستملحة، ولفقدت شيئاً من طلاوة درجت لغة التنزيل على أن يكون فيها شيء كثير من الكلم النوابغ.
13 ـ شرذم:
قلت: إن إحسان الأداء وإصابة الغرض وإبداع القول من خصائص لغة التنزيل، ومن هنا وُصفَت ((شرذمة)) وهي الفئة القليلة العدد بصفة جُمعت جمع تصحيح مذكر في قوله تعالى: (إن هؤلاء لشرذمة قليلون).
14 ـ صحف:
وقد وردت ((الصحف)) في جملة آيات روعي فيها النظر إلى الشكل، وهي أنها جمع مؤنث، فكانت ((الصحف)) موصوفة بـ ((الأولّى، ومُكَرّمة، ومطهّرة، ومُنشّرة)). وليس لي أن أذكر قوله تعالى: (وإذا الصحف نُشرت).
15 ـ ضيف:
وجاءت كلمة ((ضيف)) في بعض الآيات، ويراد بها الجمع كما جاءت في آيات أخرى لا يتجه فيها شيء إلى إرادة المفرد فقد يكون ولا يكون، قال تعالى: (هل أتاكَ حديثُ ضيف إبراهيم المكرمين)، وقوله تعالى أيضاً: (قال أن هؤلاء ضيفي فلا تفضَحون). ودلالة الجمع في هاتين الآيتين واضحة مؤيدة. غير أننا نجد قوله تعالى: (وقد راودوه عن ضيفه فطمَسنا أعينهم)، وقوله تعالى: (فاتقوا الله ولا تخرون في ضيفي). ولسنا على يقين من دلالة ((ضيف)) في هاتين الآيتين.
16 ـ طوف:
الطائفة جماعة، وهي مفردة مؤنثة باعتبار اللفظ، وجمع مؤنث باعتبار المعنى، ويتبين هذا في قوله تعالى: (ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يُضلّونكم). إن الفعل ((ودّت)) تلحقه التاء، والفاعل ((طائفة)) وهو مؤنث، ولفظة لفظ المفرد، وهو جمع في المعنى، فجاء الفعل اللاحق ((يُضلّونكم)) مسنداً إلى جماعة الذكور متصلاً بضمير الجمع المذكر.
على أننا نجد هذا الاسم مسبوقاً بالفعل ((بيَّتَ)) على أنه فاعل، وهو مفرد مذكر، وذلك في قوله تعالى: (فإذا بَرزوا من عندك بيَّتَ طائفة منهم غير الذي تقول).
وقد وُصفت الطائفة بصفة مفردة مراعاة للفظ فجاء قوله تعالى: (ولتأت طائفة أخرى لم يُصلّوا فليُصلّوا معك)، ولكن الفعل بعد الفعل قد اعتبر فيه المعنى فلحقه واو الجمع المذكر.
ولنقف على مثنّى ((طائفة)) وكيف جاء في لغة التنزيل فنقرأ قوله تعالى: (إذ هَمَّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما)، وقد جاء الفعل بعد المثنى يشير إلى أن الاسم مثنى بدلالة ألف التثنية فيه ((تفشلا))، وفي هذا نظر إلى اللفظ أو الشكل وهو التثنية. غير أننا نجد في آية أخرى هذا المثنى وقد لحقه فعل قد أُسند إلى جماعة الذكور كما في قوله تعالى:
(ون طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بَغَت إحداهما فقاتلوا التي تبغى ... )، وفي هذه الآية نظر إلى المعنى وهو الجمع، على أنك تجد في آخر هذه الآية عوداً إلى اللفظ أو الشكل في ضمير التثنية المتصل في ((بينهما))، وجملة هذا التحول بين التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية من خصائص لغة التنزيل العزيز.
17 ـ عنق:
وروت ((الأعناق في آية وقد وصفت بصفة مصروفة إلى ((الخبر)) وهي جمع سلامة مذكر، وذلك في قوله تعالى: (فظلت أعناقهم خاضعين)، ولابد من جعل ((خاضعين)) خبراً لـ ((ظلّ)) غذاكان دأبنا الدرس النحوي، غير أنك تتوقف قليلاً وأنت تنظر إلى الآية في حدود ما يوصف به العاقل وغيرا لعاقل، وذلك أن ((خاضعين))، وهي جمع مذكر سالم لا يمكن أن يوصف بها ((عناق)) وهو غير عاقل، ولكنك تجد في التأويل والدرس البلاغي سعة في قبول هذا، بل استحسانه في وروده في هذه الديباجة المشرقة من كلام الله تعالى.
18 ـ فلك:
وجاءت ((الفُلك)) في آيات كثيرة، وهي، في شيء منها، مؤنث مفرد، فاعل لفعل يسبقها، أو إنها مسند إليه يتلوها فعل يشير إلى تأنيثها، وذلك في قوله تعالى:
(ولتجري الفلك بأمره).
¥