وإذا كانت الأداة العربية قد ظلت موجودة بكاملها في الأمثلة السابقة، فإنه يصعب أن نحدس وجودها في كلمة artichaut حيث هي موجودة بلا شك. فأصل الكلمة هو ( Al-karchôuf = الخرشوف) وقد نقلت إلينا عن طريق الإسبانية ( alcarchofa) التي هي أقرب ما تكون إلى الأصل.
أما لفظ amiral فهو مثال أكثر خداعا، ذلك أنه علينا أن نبحث عن أداة التعريف في آخره لا في أوله.
فالعبارة العربية ( amir al-bahr = أمير البحر) بتر جزء منها في الفرنسية لتصبح ( amiral) التي تعني حرفيا (أمير أل ... ) وتدل على معنى غير تام. لكننا أيضا يمكن أن نعتبر ( al) لاحقة فرنسية كانت موجودة من قبل في عدد من الألفاظ مثل: Maréchal 24
و Sénéchal 25 اللذين جاءا من الجرمانية.
وإذا كنا في كلمتي ( Azimut و Zénith) نجد صعوبة في تبين أصلهما العربي وهو سَمْت (بمعنى الطريق)، فلأن جزءا من الأداة لا يزال في ( Azimut) ( الأصل فيه: as-samt السَّمت)، بينما اختفت هذه الأداة تماما في ( Zénith) ط، وذلك لأن الصيغة الفرنسية لهذه الكلمة الأخيرة جاءت من خطأ قراءة حرف ( M) من Samt(= سَمْت)، إذ قرئت نونا ( N)، فقيل Sanit ثم تحولت إلى Zénith .
وأخيرا، ليس في كلمة ( Luth) ( المأخوذة من العود Al'oud العربية) ما يشير إلى الشكل القديم للأداة العربية سوى الصامت الأول وحده. بينما في كلمة ( hasard) المأخوذة من الكلمة العربية الزّهْر az-zahr ( في لعبة النرد) نجد حضور صوت الهاء ( H) في كتابة الكلمة الفرنسية ينهي حيرة الباحثين المتضلعين.
ويبدو أن عكس هذه الظاهرة حدث في كلمة Benjoin المأخوذة من المركب العربي اللُّبان الجاوي Louban-Djaoui ( وهو نوع من البخور أو اللبان المستورد من جاوة)، حيث نجد المقطع الأول و هو ( Lou) قد استعمل للدلالة على أداة التعريف.
أضف إلى ذلك، أن هذه العبارة قد تم تحريفها، فتحولت إلى Bonzoe في لاتينية علماء النبات، لتتولد منها، فيما بعد، كلمة Benzine26 ( بنزين) (وهو خليط من سائل قابل للاشتعال)، ثم كلمة Benzène ( وهو عضو كيمائي معروف، رمزه: C6 H6)
كلمات تتوالد:
هذا المثال الأخير يبين كيف أن العبارة الواحدة – وهي تنتقل من لغة إلى أخرى – يمكنها أن تنقسم إلى ثلاث كلمات ذات صيغ و دلالات مختلفة ( Benzène, Benzine, Benjoin ).
وهناك مقاربات أخرى يمكن القيام بها انطلاقا من العربية، كما هو الشأن في ( Chiffre و zéro) أو ( Azimut و zénith)، التي سبق شرحها، و كذلك الأمر في كلمة Sirop و Sorbet أو Magazin و Magazine التي سيأتي ذكرها. وهذا هو الشأن أيضا في Mohair و Moire.
فكلمة Moire كانت قد استعيرت منذ العصر الوسيط من العربية بمعناها الذي كان لها في تلك اللغة، وهو (ثوب من شعر المَعِز) 27. ويمكن أن نتساءل بأية معجزة أصبح لهذه الكلمة منذ القرن الثامن عشر معنى "الحرير المتموج لامعا وغير لامع"28؟. ذلك أنه في هذه الحقبة وجدنا أن هذه الكلمة العربية نفسها تعود إلى الفرنسية، لكن هذه المرة تعود عن طريق الإنجليزية في صيغة أخرى وهي Mohair29 لتدل على "صوف ناعم"، وهذا ما يمكن تفسيره بتأثير الكلمة الإنجليزية hair التي تعني: (شَعَر).
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:00 ص]ـ
مفاجآت الدلالة:
تكون التطورات الدلالية سهلة التفسير أحيانا، وتكون تارة غريبة لا تكاد تصدَّق.
فمن أمثلة النوع الأول كلمة Mousson التي كانت تدل في العربية على أي فصل من فصول السنة، فأصبحت في الفرنسية لا تعني سوى التقلبات الجوية الخاصة بفصل معيَّن 30.
ونحن نفهم أيضا أن الكلمة التي تدل على الشخص المترجم نفسه، قد أمكن أن تتحول إلى كلمة تجريدية 31 وهي Truchement.
ومن هذا النوع أيضا كلمة جُبَّة التي كانت تعني في العربية لباسا داخليا طويلا يتخذ من الصوف. فنحن نستطيع أن نتبين علاقتها بالكلمة الفرنسية Jupe، لكن كلمة Jupe لم تعد في الفرنسية تدل على معنى اللباس الداخلي، وليس من الضروري أن يكون هذا اللباس طويلا، كما أنها يمكن أن تصنع من القطن أو المورة ( Moire). ( وكلمتا Coton و Moire هما أيضا من أصل عربي). فالمعنى الذي كان للكلمة من قبل لم يحتفظ به، ولكن لم يخرج عن المجال نفسه 32.
و التطور الدلالي للنعت Cafard من معناه الأصلي في العربية، و هو كافر، إلى معناه في الفرنسية، وهو الوصف الذي يطلق على الشخص الذي يبيح سرا من الأسرار، يبدو غريبا شيئا ما 33.
أما لفظ mesquin ( مسكين) الذي يعني في العربية (فقير أو محروم)، فلم يكن في تطوره ما يجعلنا نتصور أن ذلك الوصف سيصبح اليوم مرادفا لكلمة بخيل ( avare).
وتبلغ الدهشة ذروتها، بل قد تصل إلى حد الريبة والشك، حين نعلم أن كلمة عربية تعني "سُرعوبا من سيبريا" Belette Sibérienne34، قد استطاعت أن تأتي للفرنسية بكلمة Chamarrer35. وأن كلمة Laquais كانت في الأصل تعني موظفا كبيرا. وبالنسبة لهذه الكلمة الأخيرة، هناك معطيات تاريخية تسمح بإعطاء بعض الإضاءات. فحين انتقلت كلمة Laquais بواسطة القطلانية إلى اللغة الفرنسية، كان الرؤساء العرب قد فقدوا قوتهم في إسبانيا بفعل حملات الغزو لاسترجاع الأرض التي فتحوها، و بذلك لم تعد Laquais تطلق على الرئيس أو القائد، و لكن على مجرد جندي بسيط 36 يعمل في الخدمة العسكرية ( Valet d'armée) ل.
¥