فلا يَغُرَّنْكَ ما مَنَّتْ وَما وَعَدَتْ
إنَّ الأَمانِيَّ والأحلامَ تَضليلُ
أمْسَتْ سُعادُ بأرضٍ لا يُبَلِّغُها
إلا العِتاقُ النَّجِيباتُ المَرَاسيلُ
وبهذا يتضح أن عدة الأبيات الغزلية المثبتة في شرح الديوان هي: (ثلاثة عشر بيتاً). فهل سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم - هذه المقدمة الغزلية كاملة دون زيادة أو نقصان؟ أم سمع بعضها؟ وهل هناك أبيات غزلية أخرى في هذه المقدمة لم تثبت في هذه النسخة التي بين أيدينا؟ وهل سمعها الرسول -صلى الله عليه وسلم -؟
كل هذه الأسئلة تبحث عن إجابة واضحة دقيقة موثقة.
ومن خلال الرجوع إلى كتب الحديث اتضح أن عدداً من أهل العلم قد نقل خبر إسلام وتوبة كعب بن زهير ـ رضي الله عنه ـ وإنشاده قصيدته اللامية بين يدي الرسول -صلى الله عليه وسلم -، مصدّرة بهذه المقدمة الغزلية بأسانيد مختلفة؛ فقد رواها بإسناد موصول كل من: إبراهيم بن ديزيل في جزئه، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى، ودلائل النبوة، وأبي بكر الإشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه. كما رويت بأكثر من طريق موقوفة على موسى بن عقبة، أو علي بن جدعان، أو محمد بن إسحاق.
ويعد إسناد ابن ديزيل الموصول أعلى تلك الأسانيد، وإن كان فيه الحجاج بن ذي الرقيبة، وأبوه، وجده؛ فقد حسنه علي بن المديني، كما صححه الحاكم، وأشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر.
فقال علي بن المديني: «لم أسمع قط في خبر كعب بن زهير حديثاً قط أتم ولا أحسن من هذا، ولا أبالي ألا أسمع من خبره غير هذا» (1).
وقال الحاكم: «هذا حديث له أسانيد قد جمعها إبراهيم بن المنذر الحزامي؛ فأما حديث محمد بن فليح عن موسى بن عقبة، وحديث الحجاج بن ذي الرقيبة فإنهما صحيحان» (2).
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر بعض طرق القصيدة: «ووقعت لنا بعلوّ في جزء إبراهيم بن ديزيل الكبير» (3).
وفيما تقدم دليل على صحة الخبر، وثبوت سماع الرسول -صلى الله عليه وسلم - للقصيدة.
? ثانياً: عدد أبيات المقدمة الغزلية، واختلاف ألفاظها وترتيبها:
فقد اختلفت المصادر في عدد أبيات المقدمة الغزلية، التي تراوحت بين (اثني عشر إلى أربعة عشر بيتاً)، وسأورد عدد أبيات المقدمة الغزلية عند من أثبت القصيدة كاملة، وبالله التوفيق.
فقد جاءت المقدمة الغزلية في رواية الديوان (ثلاثة عشر بيتاً)، وهكذا عدها الحاكم في المستدرك، والذهبي في مغازيه.
أما ابن ديزيل فقد عدها (اثني عشر بيتاً) في جزئه الكبير.
وأوردها ابن إسحاق في السيرة النبوية (أربعة عشر بيتاً)، ومثله ابن هشام في سيرته، وابن كثير في سيرته، والعامري في بهجة المحافل.
وبالإضافة إلى اختلاف عدد الأبيات في المقدمة الغزلية، نجد أن هناك اختلافاً في ألفاظ وترتيب بعض الأبيات أيضاً. فأما اختلاف الترتيب، واختلاف بعض الألفاظ، فهذا لا يضر، وهو موجود في الأحاديث الصحيحة، ولم يُطعَن في شيء منها لذلك ما دام أن الألفاظ ليست متضادة بل مترادفة.
أما اختلاف عدد الأبيات، فهذا راجع لاختلاف الطرق التي رويت منها القصيدة؛ فالرواة يختلفون في الحفظ والإتقان؛ فالأبيات التي تثبت في جميع الطرق، ثابتة لا محالة، أما الأبيات القليلة التي انفرد بها بعض الرواة، ولم يأت بها غيره فينظر فيها إلى حاله، فإن كان ثقة متقناً قُبلت منه، وعُدَّت من قبيل زيادة الثقة، وإن لم يكن كذلك فهي شاذة لا يحتج بها.
ومن الأبيات المنسوبة لكعب بن زهير ـ رضي الله عنه ـ في مقدمته الغزلية:
هَيْفَاءُ مُقْبلةً، عَجْزَاءُ مُدْبِرةً لا يُشْتَكَى قِصَرٌ منها ولا طولُ
فقد انفرد بروايته محمد بن إسحاق، حين قال: «حدثني عاصم، عن عمرو بن قتادة» ثم ساق الخبر والقصيدة. وواضح ما في هذا السند من انقطاع بيِّن؛ لأن الزمن قد شط بين عصر النبوة وعاصم. كما أن هذا البيت لم يرد عند غير ابن إسحاق بأي سند من الأسانيد التي سبق إثباتها في كتب الحديث، وإنما ساقه أهل العلم بالسيرة، كابن هشام، وابن كثير، والعامري، نقلاً عن رواية ابن إسحاق.
¥