واستُل مِن أترابِه ولِداتِه = كالمُقلَةِ استُلّتْ من الأشفار
فكأنَّ قَلبي قَبرُهُ وكأنَّهُ = في طَيِّه سِرٌّ منَ الأسرار
إن تحتقِر صِفراً فربَّ مفخَّمٍ = يبدو ضئيل الشخصِ للنُظّار
إنَّ الكواكبَ في علوِّ مَحَلها = لتُرى صِغاراً وهي غيرُ صِغار
وَلدُ المُعزَّى بعضُه فإذا انقضى = بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثار
أبكيهِ ثم أقولُ معتَذِراً لهُ = وُفّقتَ حينَ تركتَ ألأم دار
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّه = شَتّانَ بَينَ جِواره وجواري
أشكو بِعادَكَ لي وأنتَ بمَوضِعٍ = لولا الرَّدى لَسَمعتَ فيه سِراري
والشَّرقُ نحوَ الغَربِ أربُ شُقَّةً = مِن بُعدِ تِلكَ الخَمسةِ الأشبار
هَيهاتَ قد عَلقَتكَ أشراكُ الرَّدى = وإعتاقَ عمرَكَ قاطِعُ الأعمار
ولقد جَريتَ كما جَريتُ لِغايَةِ = فبلغتَها وأبوكَ في المِضمار
وإذا نَطقتُ فأنتَ أوّلُ مَنطقي = وإذا سَكتُّ فأنتَ في إضّماري
أخفي من الرُّقباءِ ناراً مِثلَما = يُخفي مِنَ النارِ الزِّنادُ الواري
وأخفِّضُ الزفَراتِ وهيَ صَواعِدٌ = وأكَفكِفُ العَبَراتِ وهيَ جَوارِ
وشِهابُ زنَدِ الحُزنِ إن طاوعتَه = وارٍ، وإن عاصَيتَه مُتوارِ
وأكفُّ نِيرانَ الأسى ولربَّما = غُلِبَ التَّصبُّرُ فارتَمَتْ بِشَرار
ثَوبُ الرِّياءِ يَشِفُّ عمّا تَحتَهُ = وإذا التحفتَ بهِ فإنَّكَ عارِ
قَصُرت جُفوني أم تَباعَدَ بينَها = أم مُقلتي خُلِقت بِلا أشفار؟
جَفَت الكَرى حتّى كأنَّ غِرارَهُ = عِندَ إغماضِ العَينِ حَدُّ غِرار
أحيي ليالي التِّمِّ وهيَ تُمينُني = ويُميتُهُنَّ تَبَلُّجُ الأنوار
حتَّى رأيتُ الفَجرَ يَرفَعُ كَفُّهُ = بالضوءِ، رَفرفَ خيمةٍ كالقار
والصُّبحُ قد غَمرَ النجومَ كأنهُ = سَيلٌ طَغى وطَفا على النُّوِّار
لو كنتَ تُمنَعُ خاضَ دونَك فِتيةٌ = مِنّا بِحارَ عَواملٍ وشِفار
ودَحَوا فُوَيقَ الأرضِ أرضاً من دَمٍ = ثم انثَنَوا فبنَوا سَماءَ غُبار
قومٌ إذا لبِسوا الدروعَ حسبتَها = سُحُباً مُزرَّرَةً على أقمار
وترى سيوفَ الدّارعينَ كأنها = خلُجٌ تُمدُّ بِها أكفُّ بحار
لو أشرعوا أيمانَهم من طولِها = طَعنوا بها عِوضَ القَنا الخَطّار
شُوس إذا عَدِموا الوَغى انتَجَعوا لها = في كلِّ أوبٍ نُجعةَ الأمطار
جَنَبوا الجبادَ على المّطيِّ وزاوَجوا = بينَ السُّروجِ هُناكَ والأكوارِ
وكأنَّما مَلأوا عِيابَ دُروعِهم = وغُمودَ أنصلِهم سَرابَ قِفار
وكأنّ من صنعَ السوابغَ عزّهُ = ماءُ الحديدِ فصاغَ ماءَ قَرار
زَرداً، وأحكمَ كلَّ موصِلِ حَلقةٍ = بجَبابةٍ في مَوضِعِ المِسمار
فتدَرَّعوا بمتونِ ماءَ راكدٍ = وتَقَنَّعوا بحّبابِ ماءِ جار
أسدٌ ولكن يؤثِرونَ بزادِهم = والأسدُ لبس تَدينُ بالإيثارِ
يَتعطَّفونَ على المُجاوِرِ فيهِمُ = بالمُنفِساتِ تعطَّفَ الأظآرِ
يتزَّينُ النادي بحُسنِ وُجوههِم = كتَزيُّنِ الهالاتِ بالأقمار
من كلِّ مَن جعلَ الظُّبى أنصارَهُ = وكَرمنَ فاستغنى عنِ الأنصار
واللَّيثُ إن بارزتَه لم يعتمِدُ = إلاّ على الأنيابِ والأظفار
وإذا هو اعتقلَ القناةَ حَسبتَها = صِلاًّ تأبَّطَهُ هِزَبرٌ ضار
زَردُ الدِّلاصِ منَ الطِّعان بِرُمحهِ = مِثلُ الأساوِرِ في يدِ الإسوار
ويَجُرُّ ثمَّ يجرُّ صَعدةَ رُمحه = في الجَحفلِ المُتَضايِقِ الجَرّار
ما بينَ تُربٍ بالدِّماءِ مُلبَّدِ = لَزِقٍ ونَقعٍ بالطِّرادِ مُثار
والهونُ في ظلِّ الهوينى كامِنٌ = وجَلالُةُ الأخطارِ في الإخطار
تَندى أسِرّةُ وَجهه ويَمينهِ = في حالةِ الإعسارِ والإيسارِ
ويَمدُّ نحوَ المكرُماتِ أنامِلاً = لِلرِّزقِ في أثنائِهنَّ مَجار
يَحوي المَعالي غالياً أو خالياً = أبداً يُداري دونَها ويُماري
قد لاحَ في ليلِ الشبابِ كواكبٌ = إن أمهِلَتْ آلت إلى الإسفار
وتلهُّبُ الأحشاءِ شيَّبَ مَفرِقي =هذا الضياءُ شُعاعُ تلكَ النّارِ
شابَ القَذالُ وكلُّ غُصنٍ صائرٌ = فَينانُهُ الأحوى إلى الإزهار
والشِّبهُ منجذبٌ فِلم بيضُ الدُّمى = عن بيضِ مَفرِقه ذَواتُ نِفار؟
وتودُّ لو جَعلتْ سوادَ قُلوبها = وسوادَ أعيُنِها خِضابَ عِذاري
لا تَنِفرُ الظَّبَياتُ منهُ فقد رأت = كيفَ اختلافُ النَّبتِ في الأطوار
شَيئانِ يَنقَشعانِ أولَ وهَلةٍ؛ = ظِلُّ الشَّبابِ وخُلَّةُ الأشرار
لا حبَّذا الشَّببُ الوفيُّ وحَبذا = شَرخُ الشَّبابِ الخائِنِ الغَدّار
وَطَري منَ الدنيا الشّبابُ ورَوقُهُ = فإذا انقضى فقد انقَضَتْ أو طاري
قَصُرتْ مَسافَتُهُ وما حَسَناتُهُ =عِندي ولا آلاؤُه بِقِصار
نَزادادُ هَمّاً كُلَّما ازدَدنا غِنىً = فالفَقرُ كُلُّ الفَقرِ في الإكثار
ما زادَ فوقَ الزّادِ خُلفَ ضائِعاً = في حادثٍ أو وارِثٍ أو عارِ
إنِّي لأرحَمُ حاسِديَّ لِحَرِّما = ضَمِنت صُدورهُمُ من الأوغار
نَظروا صَنيعَ اللهِ بي فَعيونُهم = في جَنّةٍ وقلوبُهم في نار
لا ذَنبَ لي قد رُمتُ فَضائلي = فكأنَّما بَرقَعتُ وجهَ نَهار
وسَترتُها بتواضعي فتطلَّعت = أعناقُها تعلو على الأستار
ومنَ الرجالِ مَجاملٌ ومَعالم = ومنَ النُّجومِ غوامِضٌ ودَرارِ
والناسُ مُشتبهونَ في إيرادِهم = وتَفاضُلُ الأقوام في الإصدار
عُمري لقد أوطأتُهُم طرق العُلا = فعَمُوا ولم يَطَأوا على آثاري
لو ابصَروا بعُيونهم لاستَبصَروا = وعمى البَصائِرِ من عَمى الأبصار
هلاَّ سَعَوا سَعيَ الكرامِ فأدركوا = أو سَلَّموا لمواقِعِ الأقدار؟
ذهبَ التكرُّمُ والوفاءُ منَ الورى = وتَصرَّما، إلا منَ الأشعار
وفشت خياناتُ الثِّقاتِ وغيرهم = حتى اتَّهّمنا رؤيةَ الأبصار
ولربِّما اعتضَدَ الحَليمُ بجاهِلٍ = لا خَيرَ في يُمنى بغيرِ يَسار
لله ما أروع هذه القصيدة ... فهي درة من درر العرب
ويقال .. أنه رئي التيهامي في الجنة فسألوه .. بماذا دخلت الجنة فقال: بقولي هذا البيت
جاورت أعدائي وجاور ربه = شتان بين جواره وجواري
¥