فَقَدْ شَاْعَ فِي الشُّعَرَاْءِ صالحهم وطالحهم عالمهم وجاهلهم قديماً وحديثاً شاع فيهم نظم القصائد والأبيات الغزلية، وقد كان لشعراء الفقهاء مشاركة في ذلك كما في "غزل الفقهاء" للطنطاوي -رحمه الله- وكما في "الإلمام بغزل الفقهاء الأعلام"، وقد كان يُشكل عليَّ جواز ذلك فبحثتُ في كتب الفقهاء عن حكم ذلك واستخرجتُ هذه الخلاصة من كلامهم فأقول:
شعر الغزل على أقسام وصور متعددة:
1. إنشاء الغزل بالحليلة كالزوجة والسُرِّية وإنشاده لها جائز بلا إشكال بل قد يُعَدُّ ذلك من حسن العشرة المأمور بها، ولا بدَّ أن نشترط هنا أن لا يكون ذلك غالباً على وقته أو مشغلاً له عن الذكر لحديث أبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد -رضي الله عنهم- عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لأنْ يَمتلىء جَوفُ أحدِكم قَيحاً خيرٌ له من أن يمتلىءَ شِعراً) أخرجه البخاري ومسلم.
2. أما إنشاد ما أنشأه في زوجته بحضرة الأجانب فهو على أقسام:
أ - ما كان فيه وصف لأعضائها وتفاصيل جسمها فهذا لا يجوز لما فيه من الفتنة ولحديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تُباشِرُ المرأةُ المرأةَ فَتنعَتها لِزَوجِها كأنه ينظُرُ إليها» أخرجه البخاري مما يدل على عدم جواز وصف المرأة للرجال الأجانب.
ب - ما كان فيه وصف الجماع ومقدماته فهذا لا يجوز لحديث أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا». أخرجه مسلم.
ت - ما كان فيه ذكر حبه لها وشوقه إليها وحزنه لفراقها ونحو ذلك فهذا جائز لحديث عمرو بن العاص لما سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (أيُّ الناسِ أحبُّ إليك؟) قال: ?عائشة.? فقلتُ منَ الرجال؟ قال: أبوها. قلتُ ثمَّ مَن؟ قال: ثمَّ عمرُ بن الخطاب، فعَدَّ رجالاً». أخرجه البخاري. وفيه جواز ذكر حب الرجل لزوجته، وما جاز في النثر جاز في الشعر لأن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح، ويدل لذلك قصة كعب بن زهير في قصيدة (بانت سعاد) وهي وإن كان في سندها مقال حيث قال العراقي: (وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء، وذكرها ابن إسحق بسند منقطع) إلا أن شهرتها يدل على أن لها أصلاً.
3. أما الغزل بالأجنبية المعينة فلا يجوز لما فيه من فتنتها وإغرائها والإغراء بها وأذيتها وكل ذلك محرم بدلالة قوله تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)، وقوله تعالى: (وَ?لَّذِينَ يُؤْذُونَ ?لْمُؤْمِنِينَ وَ?لْمُؤْمِنَـ?تِ بِغَيْرِ مَا ?كْتَسَبُوا فَقَدِ ?حْتَمَلُوا بُهْتَـ?نًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) ومثل ذلك التغزل بالغلام الأمرد.
وقد أجاز بعض الحنفية الغزل بالأجنبية الميتة دون الحية لأن الميتة لافتنة في الغزل بها وفيما قالوه نظر والله أعلم.
4. أما الغزل بامرأة غير معينة من باب مجاراة الشعراء والتفنن بنظم الشعر كمن تغزل بـ (ليلى) غير قاصدٍ امرأة بعينها فهذا جائز عند الفقهاء لعدم تضمنه لفتنة ولا إيذاء بشرط أن لايغلب ذلك على وقته ويشغله عن الذكر ومهمات الأمور، وينبغي أن لا ينشده عند من يُخشى عليهم الافتتان بمثل ذلك ممن غلب عليهم الهوى.
5. أما رواية شعر الغزل للاستشهاد به على مسألة نحوية أو غير ذلك من الأغراض العلمية فهذا جائز كما نصَّ على ذلك ابن قدامة في المغني.
6. والقاعدة في هذا أن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح.
هذا خلاصة كلام الفقهاء جرّدته عن النقول طلباً للاختصار، وبغية في تقريب المسألة، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ومازلنا في انتظار الأساتذة.
دمت بخير
ـ[داوود أبازيد]ــــــــ[24 - 05 - 2006, 01:39 م]ـ
الإخوة الكرام .. من خير ما يقال في موقف الإسلام من الشعر:"الشعر كلام من الكلام، فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام .. " وقد ذكر لي المرحوم الألباني أنه لم يصح لدى المحدثين شيء مما ترويه كتب الأدب، حول استماع الرسول صلى الله عليه وسلم للشعر، أو إنشاد الشعر بحضرته، ولا قصيدة كعب بن زهير الموسومة بالبردة ..
ولي بحث مطول في هذا الباب ابتدأته منذ سنين ولم يتيسر لي إتمامه، وأرجو الله أن يوفقني لما فيه الخير من البحث، ولكنني وقفت عند فكرة أود أن أضعها باختصار:
لقد اتهم المشركون القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم بتهم شتى، فقالوا: سحر وساحر، وكهانة وكاهن، وشعر وشاعر، وإفك ومفتر ٍ .. وقد دفع القرآن كل تلك التهم، وأقف عند نقطتين صغيرتين:
1) لم يدفع القرآن أية تهمة من تلك التهم بمثل العنف والشدة والتأكيد الذي دفع به تهمة الشعر والشاعر ..
2) هذه تهم، وحين نتهم المرء فنحن نتهمه بما هو قبيح، فالجاهليون لم يكونوا يمدحون النبي عليه الصلاة والسلام وهم يقولون عنه شاعر أو ساحر أو كاهن، وإنما كانوا يذمونه ويقدحون به، وهذا يعني أن الشعر كان نوعا من المذمة والمعرة والقدح والثلب عند العرب، ولو كان أمرا حسنا لما وصفوا به النبي صلى الله عليه وسلم في موطن السب والشتم والقذف ..
هذا بعض مما أفضت في شرحه، ولكنني لم أكمل البحث بعد .. والله الموفق ..
¥