تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا ما انتقلنا لنرى مدلول الصورة في القرآن الكريم، فإننا نلتقي بمادة (صور) في القرآن ست مرات: مرتين بصيغة الفعل الماضي، الأول: (صوركم) في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64)

قال الزمخشري:" (فأحسن صوركم) وقرئ: بكسر الصاد والمعنى واحد 0 قيل: لم يَخلق حيواناً أحسن صورة من الإنسان. وقيل: لم يخلقهم منكوسين كالبهائم"0 (10)

فصورة الآدميين صورة حسنة، والفعل هنا يشير إلى الشكل والهيئة والصفة0

ويطالعنا اللفظ أيضاً بصورة الماضي (صورناكم) في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (لأعراف:11)

قال أبو السعود: "خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصور، ثم صورناه أبدع تصوير، وأحسن تقويم سار إليكم جميعاً" (11)

فالتصوير هنا بمعنى التشكيل، وأنه مرحلة تالية بعد الخلق0

ومرة بصيغة اسم الفاعل (المصور) كما في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر:24)

"أي الذي إذا أراد شيئاً فإنه يقول له كن فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار" (12)

ومرة بصيغة الفعل المضارع (يصوركم) في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:6)

قال ابن كثير: "يخلقكم في الأرحام كما يشاء من ذكر وأنثى وحسن وقبيح وشقي وسعيد) (13)

وفي هذا دليل على أن الإيجاد يكون على صفة وشكل يريده الله كيفما يشاء وبلا سبب0

ومرة بصورة الجمع (صوركم) في آية سورة "غافر" السابقة، ومرة بصيغة المفرد (صورة) في قوله تعالى: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار:8)

"أي: شكَّلك، وقال مجاهد: أي في شبه أب، أو أم، أو خال، أو عم" (14)

والمأخوذ من الآيات السابقة، ومن كلام أئمة التفسير أن الصورة تعني الخلق، والإيجاد، التشكيل، والتركيب، وإلى هذا أشار أحد الباحثين بقوله: "لفظة (الصورة) تشير إلى فعل التصوير، وإلى فعل التركيب، وهما لا يقوم أحدهما دون الآخر بحيث يمكن القول: إن التصوير تركيب، وإن التركيب ذو عناصر ينحلُّ إليها، وأن هذه العناصر ذات علاقة فاعلة ومتفاعلة تثمر في النهاية نشاطاً تصويرياً ما 00 فمدلول الصورة هو نشاط عناصر التركيب00" (15)

وإذا كان حديثنا السابق انصب حول مادة (صور) في الذكر الحكيم، فمن الواجب أن نشير إلى أن "التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن؛ فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد وعن النموذج الإنساني، والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها، فيمنحها الحياة الشاخصة، أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية00" (16)

ثالثاً: الصورة في النقد القديم:

قد يعن للبعض تساؤل: ما الذي نستفيده من البحث عن جذور لمصطلح (الصورة) في النقد العربي القديم؟

فإذا كان الشائع عند بعض الباحثين أن النقد العربي القديم لم يسهم في هذا المجال إلا بالقليل غير المفيد، وأن (الصورة) ومناهج دراستها قد تعرفنا عليهما من اطلاعنا على جهود الغرب، وليس للعرب ونقدهم في ذلك فضل0 (17)

فإن هذه أحكام أُلقيت على علاتها، "فمع إيماننا التام بأن النقاد المحدثين قطعوا شوطاً كبيراً في تعريف الصورة، وتحديد مدلولاتها، ومعالجة قضاياها، فإننا لا يمكن أن نغفل جهود القدماء؛ لأننا عندها نكون كالطائر الذي يرغب أن يطير بجناح واحد، ولن يتحقق له ذلك" (18)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير