[بحث في شعر محمود البارودي]
ـ[عمر صالح علي]ــــــــ[13 - 03 - 2007, 05:11 م]ـ
مظاهر التجديد في شعر محمود سامي البارودي
أ. د.صالح الجميلي /العراق / كلية التربية/ جامعة تكريت
التمهيد
نشأ محمود سامي البارودي في عصر انقطعت فيه الصلة بين الشعراء في جميع الأقطار العربية وأسلافهم القدماء انقطاعا ابعد أشعارهم عن كل جمال وبهاء، فإذا هي لغو من القول، وضحالة من المعاني وركاكة في التأليف يتكلفونها ليقدموها مديحا وتهنئة وتعزية لمن يظنون انه يدفع عنهم عاديات الحياة ومن العبث أن نبحث في هذا اللغو عن شعر أو شعور بالجمال، يبعث في نفوسنا اللذة الفنية، إنما هي معان سقيمة وأساليب فاسدة زادها إغراقهم في المحسنات اللفظية سوءاً على سوء.
ولم تكد تتفتح موهبة البارودي حتى انصرف عن هذا اللغو المنظوم إلى روائع الشعر العربي القديم يسيغها ويتمثلها بكل ألحانها وكل تصويرها وكل معانيها وأسرارها الفنية وسرعان ما استخلص لنفسه هذا المنبع الصافي العذاب، وهو منبع يغذيه القديم بأحسن ما فيه، ويغذيه وجدانه وعصره وقومه، وبذلك لم يعد الشعر تعبيرا سقيما عن أغراض ضيقة لا تصور منشأ الشاعر ولا ظروفه ولا زمانه ولا أمته ولم يعد يجري في ركاب صاحب سلطان أو جاه أو مال.
في هذا البحث عرفت بالشاعر ـ حياته وعصره وشعره ومنزلته ـ بدأت بحياته و نشأته وتعلمه في المدرسة الحربية وتوظفه في وزارة الخارجية في الأستانة (استنبول) ونهله هناك من الآداب الفارسية والتركية وعودته إلى مصر والتحاقه بسلاح الفرسان مع بعض الكتائب المصرية في حروب العثمانيين في جزيرة (كريت)، ثم تناولت علاقته بالخديوي توفيق عندما استعان بالإنكليز لحمايته، فاحتلوا البلاد وكيف التفّت القوى الوطنية حول الثائر مصطفى كامل.
وصورت شعر البارودي وما هي العناصر المكونة لهذه الشاعرية منها موهبته النادرة، ومنها العامل الوراثي وتعلمه فنون الحرب وتزوده بالآداب العربية والفارسية والتركية، ومنها ما يعود إلى دراسته لروائع الشعر العربي القديم مما اكسبه السليقة العربية الأصيلة ويبدو شاعرنا في بداية حياته، كأنما طبعت في نفسه أحاسيس الفارس العربي القديم من حماسة ووصف للحروب وحب وخمر وشعور بجمال الطبيعة، فنراه يرسل زفراته نارا متأججة، فيشارك الثوار انتفاضتهم وتخفق الثورة ويرسل مع جماعته الثائرين مكبلين إلى باخرة لتبحر بهم إلى جزيرة (سرنديب) (سريلانكا) حاليا، وهناك يشدو بغناء حزين مصوراً أشواقه وحنينه الدفين، باكيا زوجته قرة عينه ومن أودى بهم الموت من أصدقائه بكاء يعتصره من قلبه فقد كان في المنفى يعنى بشعره عناية كبيرة، حتى تكتمل روائعه الشعرية وتخرج إلى الناس محكمة في بنائها مصقولة ومنقحة تنقيحا لا يجد الناقد فيها ما يعيبها.
توصل هذا البحث إلى أن البارودي يعد حامل لواء الشعر العربي الحديث مهما اختلفت مدارسه وتفاوتت مذاهبه بين المحافظة والتجديد، ويمكن القول انه هو الذي مكن لمصر أن ينشأ فيها شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم من عمالقة الشعر العربي الحديث.
حياته:
ولد محمود سامي البارودي عام 1838م بمصر وتوفي فيها عام 1904م لأبوين من الجراسكة، وكان أبوه حسن حسين بك البارودي من أمراء المدفعية ثم صار مديرا لـ (بربر) و (دنقلة) في عهد محمد علي باشا والي مصر، وكان جده لأبيه عبد الله بك الجرسكي كشافا في عهد محمد علي مأمورا وكان أحد أجداد الشاعر مراد بن يوسف شاويش ملتزما في العصر العثماني لبلدة (آيتاي البارود) إحدى بلاد محافظة البحيرة، ومن ثم لقب البارودي نسبة إليها وحمل أبناؤه هذا اللقب. (1)
وكان أجداده يرقون بنسبهم إلى المماليك حكام مصر وكان الشاعر شديد الاعتزاز بهذا النسب في شعره وفي كل أعماله، الذي كان له فيه اثر قوي في جميع أدوار حياته وفي المصير الذي انتهى أليه.
¥