تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(المديح المُرّ)

ـ[أحاول أن]ــــــــ[04 - 04 - 2007, 05:39 ص]ـ

:::

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه , كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لعظيم وجهه وجليل سلطانه ..

والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين , من لا ينطق عن الهوى , من أوتي جوامع الكلم , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين ..

أما بعد:

فهذه قراءة ٌ متأنية ٌ هادئة ٌ في قصيدة أبي الطيب المتنبي:

(عدوك مذموم بكل لسان ِ) التي قيل إنها في مدح كافور الإخشيدي ..

ليست من النقد في شيء لأنها لا تملك أدواته المنهجية ..

ولا تعدو كونها قراءة شخصية بسيطة بصوت مرتفع ..

ابتعدت ُ فيها قدر الإمكان عن التفسير الحرفي الموجود في شرح ديوانه ..

ـــــــــــــــــــ

حين قرأت ُ هذه القصيدة-أول مرة – شعرت ٌ أن َّ أصابع َ خفية ً تطرق الديوان؛ تأمرني فأعتدل من استرخائي .. لأركِّز َ وأُعمِل َذهني .. فهذه القصيدة البديعة ُ للعقل ِ أكثر منها للعاطفة ..

هي قصيدة ٌ"بلورية " حين تعرضها على ضوء من التدبر تُريك ألوانا مختلفة ..

حركها بأي اتجاه .. وافهمها كيف تشاء ..

وهي قصيدة ٌ " كيمياء " تتوازن فيها العناصر وتمتزج فيكون المحلول مديحا حلوا ..

وبتغيير بسيط في معادلة طرفي التفاعل ينتج مركب ُ هجاء ٍ شديد المرارة .. !!

عدوك مذموم ٌبكل لسان ِ** ولوكان من أعدائك القمران ِ

ما القصة؟

اجتمع "شبيب العقيلي " -وكان واليا على معرة النعمان - مع عشرة آلاف رجلٍ وحاصر دمشق خارجا على كافور , وفي رواية أن امرأة ً ألقت عليه رحى ً وهو واقف فصرعته؛ ففر من معه وهُزموا بهلاكه ..

هنا توقف الشُرَّاح ..

إذن:لم يفعل كافور شيئا يستحق عليه المدح!! مات الرجل بعيدا عنه بل وقد أفلح وحاصر وقتل ..

قلتُ: (الطريق لفهم القصيدة ليس معبَّدا .. وهذا أول انحناء ٍ حاد في النص .. )

البيت من ظاهره المدح: عدوك جاهل يذمه الناس ولو كان الشمس أو القمر ..

ومن باطنه سوء الهجاء: يقول ابن جني: (هذا المدح قد ينقلب هجاء يقول أنت ساقط ومن يضاهيك مثلك ولو كان شمسا أو قمرا لذممناه)

لم أرَ المتنبي مضطرا لتخليد المناسبة! فلا حدثا مشرفا ولا مناسبة تاريخية ..

لماذا أنشد عليه هذه الإهانات الناضجة على نار ٍ هادئة!!

تذكرت قول العلامة "محمود شاكر "إنه لطمه أول لقاء بينهما حين قال في أولى المدائح المُرَّة:

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ** وحسب المنايا أن يكن أمانيا!!!

و ألح ُّ علي ّ سؤالٌ: من هو كافور؟

وما عجبْتُ حين عرفت ُ أنه كان أديبا عالما ,حاد الذكاء , شديد الفطنة ... بقدر ما عجبت ُ أن المتنبي كان يعلم هذا علم اليقين!!!!

إنها حرب باردة بين قطبين داهيتين , لكل منهما في صاحبه " مآرب أخرى "!!

المتنبي والولاية ... وكافور وقوة الشاعر والاستعانة به على الأعداء ..

ولله سرٌّ في علاك وإنما ** كلام العدا ضربٌ من الهذيان ِ

أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت ** قيام ُ دليل ٍ أو وضوح بيان؟

في فن التواصل مع الآخرين .. ينصح الخبراء ألا تبدي دهشتك الشديدة لحصول صديقك على منصب .. وألا تسأله عن تفوقه المفاجئ .. وألا تقول له خدمك الحظ والصدفة!!

فعدم التوقع يعني أنه ليس بكفء ٍ ..

هذا بالضبط مضمون الرسالة المشفرة التي وصلت بوضوح!!

إمارتك سر ٌّ لا ندرك كنهه .. وواقع ٌ لا نجد له تفسيرا!!

والتمسوا دهاء الدليل: مارق ٌ تقتله رحى امرأة وقد حاصر المدينة!! إهانة وأيما إهانة ..

رأت كل َّ من ينوي لك الغدر َ يبتلى ** بغدر حياة ٍ أو بغدر ِ زمان ِ

هلاَّ رأفت َ به يا أبا الطيب؟

يقول: لم تنتصر على عدو ٍ لك َ قط ....

يغدر به الظفر .. ويخونه النصر ..

رثيت كثيرا لك يا كافور .. ما أغناك عن هذا المدح!! أما لك في الشعراء "وإن رثت حبالك واصل ٌ "؟؟؟

وأنت يا أبا الطيب لم تكن محتاجا وأنت تكره "ففي الأرض عن دار ِ القلى متحوَّلُ "

برغم شبيب ٍ فارق السيف كفه ** وكانا على العِلَّات ِ يصطحبان ِ

كأن رقاب الناس قالت لسيفه **رفيقك َ قيسي ٌ وأنت يماني!

ينحني بي النص مرة أخرى ..

أزعجتني "برغم " سرت لأفكاري لمحة غريبة .. لم أتأكد منها حتى اللحظة ..

لماذا يشيد بأنه ترك السيف راغما .. وأنهما مصطحبان ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير