[لماذا تأخر سيف الدولة عن فداء ابي فراس الحمداني]
ـ[د. كريم الوائلي]ــــــــ[02 - 05 - 2007, 09:29 م]ـ
أبو فراس الحمداني
ولماذا تأخر سيف الدولة عن فدائه؟
أ. د. كريم الوائلي
مرت حياة أبي فراس بمرحلتين: الأولى: قبل أسره والتي اتسمت بصفات معينة، ووقعت فيها حوادث تفسر لنا بعض المواقف التي ما زال قسم من الباحثين يجهلون تجلية غوامضها. والثانية: بعد أسره، والتي من خلالها تستطيع تأكيد تفسير الغوامض السالفة التي حدث في المرحلة الأولى من حياة الشاعر.
ويتفق المؤرخون والباحثون على أنّ سيف الدولة أخرَّ الشاعر في سجنه، ويذهبون مذاهب شتى في تفسيرهم لهذا التأخير، وبالامكان تقسيم آرائهم إلى قسمين: الأول: يرى أنّ التأخير لتعذر المفاداة، أو أنّ سيف الدولة لا يفدي ابن عمه ويدع باقي المسلمين ولا يكون الفداء إلا للكافة أو أنّ المشاغل هي التي أقعدته عن تخليص ابن عمه أو إنّ أمر تأخيره كان لأمر سياسي خطير يهون أمر فدائه مع أنه من أهم المهمات.والثاني: يرى أنّ هناك سبباً في التأخير، وانّ سيف الدولة لم يسرع في فك اسار ابن عمه عن قصد، أو أنّ سبب التأخير عائد الى عداء بني حمدان لفرع الشاعر وخشية سيف الدولة وناصر الدولة من بروز أبي فراس في مضمار السياسة والأدب، أو أنّ علاقتها ساءت بسبب خلاف نشب بين أبي فراس ونفر من الحمدانيين يظهر أنه لم يكن محقا فيه.
ولو تتبعنا حياة أبي فراس ودرسنا ديوانه، الوثيقة المهمة في دراسة الشاعر وتحديد أبعاد شخصيته ونوازعه النفسية، لوصلنا إلى أنّ سيف الدولة أخرّ فداء أبي فراس بسبب جفوة سابقة لأسر الشاعر، وكان الشاعر طرفاً مهماً في حدوث هذه الجفوة بسبب نزعته المتعالية، ونفسيته المتسمة بحدة الاحساس وشدة الانفعال، ووجدنا آثار هذه الجفوة في اشعار أبي فراس الطافحة بالتذمر من أقاربه بفترة سابقة لأسره، إذ كان يشعر بمواهبه وطموحه ويعتقد أنّ بني حمدان يتحينون الفرصة للنيل من قدراته، ولذا عمد للتعريض بهم في عدد من قصائده.
أراني وقومي فرقتنا مذاهبُ
وإنّ جمعتنا في الأصول المناسبُ
فأقصاهم أقصاهم في مساءتي
وأقربهم مما كرهت الأقاربُ
قريبٌ وأهلي حيث ما كرَّ ناظري
وحيدٌ وحولي من رجالي عصائب
نسيبك من ناسبتَ بالودِ قلبَه
وجارك من صافيته لا المصاقبُ
بل يعتبر بني حمدان حساداً لمواهبه ويتمنى أن ينتقل منهم إلى أماكن أخرى حتى لايعيش في هذا الجو المملوء حسدا ونقمة:
بنو حمدان حسادي جميعا
فمالي لا أزور بني طغج
إنّ هناك حادثتين مهمتين كان لها دور كبير في حدوث الجفوة، ومن ثم، انعكستا بشكل سلبي على أبي فراس في سجنه:
الحادثة الاولى أشار إليها ابن خالويه جامع ديوان أبي فراس بقوله: ((عرضت على سيف الدولة خيوله، وبنو أخيه وبنو عمه حضور، فكل اختار منها وطلب حاجته، وأمسك الأمير أبو فراس فعتب عليه الأمير سيف الدولة، ووجد من ذلك وتكلم فبلغ ذلك أبا فراس)) وهذا النص يعرض جملة من الحقائق، منها نفسية أبي فراس المتعالية التي لا ترضى الذل والخضوع، في جو ابتسمت فيه الدنيا لناصر الدولة ـ قاتل أبي الشاعر ـ وأبنائه، بل كان يشعر أبو فراس أن أبناء ناصر الدولة، فضلا عن كونهم قتلة أبيه، ينافسونه في مكانته السياسية والاجتماعية، ولذا فإنه لم يأخذ شيئا من خيول سيف الدولة، ورفضه فورة انفعال تعبر عن أشياء عميقة الغور في نفسه، وأراد من جهة أخرى أن يلفت أنظار سيف الدولة إليه، وكان رفضه جرحا لمشاعر سيف الدولة ووخزا لمواقفه، ((فعتب عليه سيف الدولة،ووجد من ذلك وتكلم)).
ولا ندري ماذا تكلم غير أنّ القصيدة التي ردّ بها أبو فراس إثر الحادثة على سيف الدولة تفسر قسوة الكلام الذي تفوه به سيف الدولة:
غيري يغيرُهُ الفعالُ الجافي
ويحول عن شيم الكريم الوافي
لا أرتضى وداً إذا هو لم يدمْ
عند الجفاء وقلة الانصاف
تعس الحريص وقلّ ما ياتي به
عوضا من الالحاح والالحاف
إن الغني هو الغني بنفسه
ولو أنه عار المناكب حاف
وتعاف لي طمع الحريص ابوتي
ومروءتي وفتوتي وعفافي
ما كثرة الخيل الجياد بزائدي
شرفاً ولا عدد السوام الضافي
خيلي وإن قلت كثيرٌ نفعُها
بين الصوارم والقنا الرعاف
¥