تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قصة الحب الخالد هل هي حقيقة أم خيال؟]

ـ[الأسد]ــــــــ[23 - 03 - 2007, 09:41 م]ـ

الغزل غرض شعري غنائي نشأ مع نشأة الشعر البدائية منذ قديم الزمان , ولا نحجر واسعاً فنقول: بعد أو قبل العصر الجاهلي , وإنما نجزم أنه بدأ مع بدايات الإنسان , وتطور كما تطور غيره من الأغراض الشعرية الأخرى , فالإنسان بطبعه وفطرته كان يترنم ويتناغم مع وقع أخفاف الإبل , فيبدأ بإصدار الترانيم المتناغمة مع ذلك الصوت , حتى يصدر منه ما يعبر به عن نفسه , وما يدور في خلده , ويجول في خاطره , فيكون ذلك تنفيساً وبثاً وجدانياً , وهذه حقيقة قد لا ينكرها الإنسان.

إلا أن الغريب أن ينكر الإنسان شخصية تاريخية مرت عبر السنين المتطاولة , وخلدتها كتب التراث المتفاوتة , وأقيمت حولها الدراسات المكثفة والأبحاث المحكمة , ومع ذلك ينكر وجودها , ويشك في صحة الأخبار التي ساقتها لنا.

تلك هي شخصية قيس بن الملوح بن مزاحم العامري , والمشهور بـ (المجنون) أو (مجنون ليلى) أو (قيس ليلى) والتي شك في وجودها

د. طه حسين وزعم بطلانها , مستنداً في ذلك على عدم صحة الروايات التي رويت عنه , فكل ما روي عنه إنما هو من القصص الغرامية التي اشتهرت وزادت تألقاً في عصر بني أمية , وهذا ما جعل الرواة يكثرون من الخوض في هذه القصص , وينتجون تلك الأشعار الخيالية والرائعة في نفس الوقت.

ثم أن العامريين كانوا أصحاب غلظة وفظاظة فلم تكن أكبادهم رطبة حتى يصل بهم المقام إلى أن يخرج منهم من يقول مثل هذا الشعر العذب.

ويرى د. طه حسين إلى أن من الأسباب التي تثبت عدم صحة هذه الشخصية هو اختلاف الروايات حولها , وتدخّل الخليفة في اتخاذ أمر صارم حيالها , عندما أهدر دم المجنون.

كلام طويل أورده الدكتور طه حسين حول التشكيك في أمر قيس بن الملوح , وفي غيره من الغزلين العذريين كقيس بن ذريح , ومن شاكلهم من العشاق الذين عزفوا على هذا الوتر , وان كان أكثر حديثه عن قيس بن الملوح.

وقد أقرّ د. طه حسين أن أمراً كهذا يحتاج إلى جهد كبير , وبحث طويل حتى يثبت فعلاً عدم صحته , وإن كان قد جزم بذلك سلفاً.

الغريب في ذلك أن د. طه حسين جعل ذلك من فنون القصص الغرامي , وأنه موضوع جديد , وغرض مستحدث جدير بالدراسة والبحث , ويدل على براعة كاتبه وسعة خياله , وشاعرية ناظمه.

لكن من ينظر إلى ديوان شعر قيس بن الملوح يجد عاطفته تسير في اتجاه واحد وإن كانت تعلو وتنخفض حسب حالته النفسية , وما يتطلبه شوقه وحنينه , وهذا وإن كان يعطينا إشارة على صدق وعفوية وعذرية هذا الشعر إلا انه من جهة أخرى قد يثبت له لا سيما أن هذا المسلك الغزلي ليس غريباً على ذلك المجتمع وما قبله وما بعده , والدلائل على ذلك كثيرة , فإذا أنكرنا أو ارتبنا في شخصية أو شاعرية قيس بن الملوح كان لزاماً علينا أن ننكر أو نرتاب في شخصية قيس بن ذريح , وعروة بن حزام , وكثير عزة , وجميل بثينة , وأضرابهم ممن سلكوا هذه الطريق وعبروا فجاجها.

إن د. طه حسين كان همه إرضاء العلم وليس إرضاء الجماهير كما يقول هو , وهذا أمر محمود , إلا أننا نلحظ هذا الشك مع د. طه حسين في أكثر المنقولات الشفاهية والتي اعتدمت على ذلك في سَوق الأخبار وعرض الأشعار , وحدث له ذلك مع الشعر الجاهلي , والذي أنكر أكثره وشك في أشهره , وزعم أنه من محفوظ الراويتين العجيبتين: خلف الأحمر , وحماد الراوية.

ونحن لا نوافق د. طه حسين في جلّ ما ذكره , كما أننا لا نخالفه في بعض ما ارتآه بشأن الشعر الجاهلي , أو شعر الغزلين , فقد يكون هناك منفذ يدخل معه التغيير والتحريف , كما أن اضطراب الروايات هي الأخرى قد يشوبها بعض التغيّر المقصود أو غير المقصود , إلا أن وجود مثلك تلك القصائد الجاهلية أو الغزلية أو غيرها , وكذلك وجود الشخصيات البارزة هي حقيقة لا يمكن القطع بعدم صحتها.

تحياتي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير