تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عزيز نيسين ... قصتي ...]

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[14 - 04 - 2007, 08:14 م]ـ

هديتي للأخ الكريم عبد القادر الحمدو

هذا رغم عدم إعجابي بعقيدة هذا الكاتب الذي كان يقول أنا لاأومن بالله، وهذه سمعتها منه مباشرة أثناء لقاء تلفزيوني معه. وكان من وصيته ان لايدفن في مقابر المسلمين.

قصّتي

الكاتب التركي الساخر

عزيز نيسين (1915 - 1995)

ولد أبي في إحدى قرى الأناضول، رحل في سن الثالثة عشر من عمره إلى اسطنبول. أما أمي فقد كانت من قرية اناضولية أخرى، رحلت هي الثانية وفي سنٍ مبكرة جدا إلى اسطنبول أيضاً، ليلتقيا هناك فيتزوجا، وأولد أنا.

لَم يكن لدي أدنى خيار عندما ولدت في أكثر الأيام ناريّة وربما أكثرها دموية. فالتوقيت كان غير مناسب أبدا، حيث اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام مولدي أي 1915. ولسخرية الأقدار أن جاءت ولادتي في مكانِ غير مناسب أيضا، وذلك على جزيرةِ (( Heybeli التي تقبع بعيدة عن شاطئ اسطنبول التي كانت المصيف المميز لسكان تركيا الأثرياء.

وبطبيعة الحال الأغنياء لا يَستطيعونَ العيش بدون فقراء، فكَان هذا الاحتياج سبباً عظيماً كي أعيش وعائلتي على هذه الجزيرة.

أنا لا أَقْصد بهذه الدلالات أني كُنْت سيئ الحظ أبدا , بل العكس هو الصحيح، حيث بقيت - طيلة حياتي – أَعتبر نفسي محظوظاً جداً في عدم المَجيء مِنْ عائلةٍِ مشهورةٍ، نبيلةٍِ، وغنية.

أطلقت عليّ عائلتي اسم نصرت “ Nusret” بالتركية - المستمدة من “نصر من اللهِ” بالعربية، واختيار الاسم دلالته لدى معدمي وفقراء العائلة حيث كان بالنسبة لهم آخر أمل يرَبطَ كُل أمالهم باللهِ.

المتقشّفون القدماءُ كما كان معروفا، كانوا يقتلون وبأيديهم نسلهم الذي يولد ضعيفاً وضئيلاً، ويبقون فقط على القوي منهم، مع تعظيم شأنهم. هذا العرف كنا نمارسه بلا خيار نحن معشر الأتراك من خلال منطق الطبيعة والمجتمع. وقد اَكتْشفت أنّ إخوتي الأربعة قد ماتوا في مرحلة الطفولةِ بسبب عدم قدرتهم على تَحَمُّل بيئتِهم القاسية. أمّا أمّي وفي سن السادسة والعشرينِ من عمرها، فهي الأخرى لم تحتمل الحياة، فماتت تاركة هذا العالمِ الجميلِ لمن يَستحقوه من هؤلاء الأقوياء. وربما تستطيعون إذن تفهم عنادي و تصميمي على ممارسة حق البَقاء.

* * *

الأجواء في الدول الرأسمالية تبدو ملائمة للتجار، أمّا في البلدان الاشتراكية الأمر يبدو مناسباً أكثر لنا نحن معشر الكتّاب. و بذلك يستطيع الرجل أن يحدد إلى مَن وأين سينتمي، فمهنة الكتابة تعني الانتماء للحالة الاشتراكية. لهذا حددت منذ كان عمري عشر سنوات أي في طفولتي المبكرة موقفي في أن لا أصير تاجرا رأسماليا ففي تركيا ما يكفيها من كومه نفاياتٍ رأسمالية. فكان علي إذن أَنْ أصبح كاتبا حتى و إَنّ خلت عائلتي تماما من أي شخص يستطيع القراءة أو الكتابة ..

والدي ككلّ الآباء الجيدين إذ كان يعتقد بأنَّ نصائحه المستقبلية لابنه قد تثنية عن هذه الفكرةِ السخيفة للكتابة، وأن يختار مستقبلا أكثر استقامة لكسب العيش وكنت أحسن الاستماع إليه.

أما عنادي فقد كان الأقوى من جم نصائح أبي لأنني حزمت أمري و اتخذت القرار بأنْ أكُونَ كاتبا ..

دَخلتُ المدرسة بشغف، وحلم جارف لقلمِ يكون في متناول يدي. إلاّ أنني وجدتهم يَدْفعونَ ببندقيةَ في يَديَّ بدلا من القلم.

أثناء سنوات عمري الأولى، لم أَستطع فعل ما أريد، وبالمقابل لم أحب ما أعْمل، فقد أردتُ وحلمت بأَنْ أكون كاتبا، إلاّ أنني وجدت نفسي جندياً. ففي ذَلِك الوَقت كان الأطفال تعساء سيئي الحظ ولا يمكن لهم دراسة معنى الحُريَّة في مدارس كانت عسكريةَ، لذلك اضطررت الالتحاق بمدرسة داخليةَ عسكريةَ .. !

في عام 1933 ظهر إلى الوجود قانون اللقب، هذا القانون الذي يمنح كل تركي الحق في اختيار الاسم الأخير لنفسه كلقب. ومن خلال هذا القانون أتضح مكنون النفوس الوضيعة فأصبح أشد الناس بخلاً معروفا ب “الكريم”, وأكثر الجبناء اتخذوا لقب “الشجعان”، وأشد الناس كسلا منحوا أنفسهم لقب “دؤوب”. أمّا المثير للمرارة فقد كان في اختيار أحد معلمينا لقبَ “بارعِ ” وهو بالكاد يستطيع توقيع اسمه تحت ذيل رسالته.

لقد أصبح هذا القانون هديةُ للتمييز العنصري الذي انتشر بين الناس من خلال خليط من الألقابِ،التي فقط جعلت منهم أتراك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير