[أبو العتاهية]
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[22 - 05 - 2007, 04:09 م]ـ
[أبو العتاهية]
وُلد إسماعيل بن القاسم في عين التمر بالعراق سنة 130هـ، ونشأ بالكوفة، وقصد بغداد، واتّصل بالمهدي ومدحه ثمّ اتّصل بالهادي، وأخيراً اتّصل بهارون الرشيد.
امتاز شعر أبي العتاهية بالزُّهد والموعظة أوّلاً، وبالرثاء والهجاء والمدح والوصف والحِكَم والأمثال والغزل ثانياً. كان شعره سهل الألفاظ، قليل التكلّف حيثُ قال عن نفسه: «لو شِئتُ أنْ أجَعَلَ كلامي كُلَّهُ شِعراً لفَعَلت» ((1)).
قال وهو يبكي شبابه:
بَكَيْتُ على الشباب بدَمعِ عَيْني ***** فلَمْ يُغنِ البُكاءُ ولا النحيبُ
ألا لَيْتَ الشبابُ يَعُودُ يَوماً ***** فاُخْبِرَهُ بما فَعَلَ المَشيبُ ((2))
عريت من الشباب وكان غضّاً ***** كما يَعرى من الورق القضيب
ونراه يتغزّل بعُتبة:
عيني على عُتبةَ مُنْهَلَّةُ ***** بدمعها المُنسكب السائِلِ
كأنّها مِنْ حُسنها دُرَّةٌ ((3)) ***** أخرجها اليَمُّ ((4)) إلى الساحِلِ
كأنّ في فيها ((5)) وفي طَرْفها ((6)) ***** سَوَاحراً أقبَلْنَ مِنْ بابِلِ ((7))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المجاني الحديثة: ج3، ص25.
(2) تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج2.
(3) دُرّة: اللؤلؤة.
(4) الْيَمّ: البحر.
(5) في فيها: في فمها.
(6) طَرْفها: عَيْنها.
(7) بابل: مدينة قديمة قُرب الكوفة.
بَسَطْتُ كفّي نحوكم سائلاً ***** ماذا تردُّون على السائِلِ
إنْ لم تُنيلُوهُ فقولوا لَهُ ***** قولاً جميلاً بَدَلَ النائِلِ ((1))
يا مَنْ رأى قَبْلي قتيلاً بكى ***** مِنْ شِدّة الوَجْدِ عَلى القاتِلِ ((2))
ومن الأمثال والحِكم السائرة في شعر أبي العتاهية:
أنت ما استغْنيت عن ***** حبِك الدّهرَ أخوهُ
فإذا احتجْتَ إليهِ ***** ساعةً مجَّك فوهُ
* * *
ما يُحزِر المرء من أطرافِه طرفاً ***** إلاّ تخوَّنه النقصانُ من طرفِ
* * *
يُصادُ فؤادي حين أرْمِى ورمْيتي ***** تعودُ إلى نحري ويسلمُ من أرْمي
* * *
ولرُبَّ شهوةِ ساعة ***** قد أورثتْ حزناً طويلاً
* * *
إن كان لا يغنِيك ما يكفيكَا ***** فكلُ ما في الأرضِ لا يغنيكَا ((3))
وله قصيدة بعنوان إلهي لا تعذّبني:
إلهي! لا تُعَذّبْني، فإنّي ***** مُقِرٌّ بالذي قد كانَ مِنّي!
فَما لي حيلَةٌ، إلاّ رَجائي ***** لعفوِكَ، إن عفوتَ، وحُسنُ ظَنّي
وكم مِن زَلّة لي في الخَطايا، ***** وأنتَ عليَّ ذو فَضْل ومَنِّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نائل: العطاء.
(2) وفيّات الأعيان / ابن خلّكان: ج1، ص223. تاريخ الأدب العربي: ج2، ص192.
(3) التمثيل والمحاضرة: ص77.
[132]
إذا فكّرتُ في نَدَمي علَيها، ***** عَضَضتُ أناملي، وقَرَعتُ سِنّي!
اُجَنُّ بزَهرَةِ الدّنيا جُنوناً، ***** وأقطَعُ طولَ عُمري بالتَّمَنِّي
ولو أنّي صَدَقتُ الزُّهْدَ عَنها، ***** قَلَبتُ لأهلِها ظَهرَ المِجَن
يَظنّ الناسُ بي خَيراً، وإنّي ***** لَشَرُّ الخَلقِ، إنْ لم تَعفُ عَنِّي ((1))
وله وقفة على القبور:
يا مَعشرَ الأمواتِ، يا ضِيفانَ ***** بِ الأرضِ كَيفَ وَجَدتُمُ طَعمَ الثَّرَى
أهلَ القُبورِ مَحا التُّرابُ وُجوهَكُمْ ***** أهلَ القُبورِ تَغَيَّرَتْ تلكَ الحِلَى
أاُخَيَّ لم يَقِكَ المَنيّةَ إذْ أتَت ***** ما كانَ أطعَمَكَ الطّبيبُ وما سقَى
أاُخَيَّ، كيفَ وَجدتَ مَسّ خُشونةِ المـ ***** ــأوَى وكيفَ وجَدتَ ضِيقَ المُتّكَا ((2))
وقال في التزهيد في الدنيا:
لِدُوا للموت وابْنُوا للخَراب *****،فكلكُمُ يصير إلى تَباب ((3))
لِمَنْ نبني؟ ونحن إلى تراب ***** نصير، كما خُلقْنا من تراب
ألا يا موتُ، لم أرَ منك بُدّاً ***** اتَيْتَ وما تَحِيفَ ((4)) وما تُحابي ((5))
كأنّك قد هجمتَ على مَشيبي ***** كما هجم المشيبُ على الشباب ((6))
وحسبك شاهداً عندما رأى شاعرنا تبذير أموال الرعية من قِبل حكّام العصر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اُدباء العرب / بطرس البستاني: ج4، ص30.
(2) المصدر المتقدّم: ص31.
(3) التباب: الهلاك.
(4) تحيف: يظلم.
(5) تُحابي: تُصانع.
(6) المنهاج في الأدب العربي وتاريخه: ص172.
[133]
العبّاسي هبَّ قائلاً:
أيْنَ القُرونُ الماضِيَةُ؟ ***** تَرَكُوا المَنازلَ خالِيَهْ
¥