تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شكر الله لك أختي الفاضلة عاشقة القوافي إتحافك لنا بهذه الخالدة,,

هذه القصيدة لا أظن أحداً -إن كان في قلبه إسلامٌ وإيمانُ -إلا ويتفطّر أسىًَ وتكاد تذهب نفسه حسراتٍ على أرض الأندلس الفقيدة -أعادها وكل شبرٍ مسلوبٍ خالقها تبارك وتعالى إلى حمى الاسلام -,

والله ما ضاعت بيد أعداء الملة إلا بعد أن ضاعت نفوس أبنائها بيد أهوائها ,,

لذا سأقف على جال هذا لصرح الشامخ وقفة تأملٍ متواضعةٍ يسيرةٍ كتلك التي أقفها عندما أتأمّل أطلال الأندلس البائسة في الصور والشاشات الكئيبة,,:

كل شيءٍ في هذه القصيدة جميل

معناها - صدقها - عاطفتها - تركيبها - محسانتها - وزنها - قافيتها - شاعرها - وقبل كل شيء أرضها التي خرجت منها

ومن أسرار جمال هذه الخالدة مقدمتها الرائعة الرنانة الحكيمة:

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ ***** فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ

هذا طلل أبي البقاء الرندي الذي وقف عليه ,,

تجربته وحكمته ونظرته الصائبة في الحياة بمنظار العقيدة التي تحلى بها قلبه رحمه الله وغفر له

ويأخذ في سرد هذه الدرر منحلةً من عِقد قريحته لتنخرط في سلك نظمه بشاعريته:

هي الأمورُ كما شاهدتها دُولٌ ***** مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ

وهذه الدار لا تُبقي على أحد ****** ولا يدوم على حالٍ لها شان

يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ ****** إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ

وينتضى كلّ سيف للفناء ولوْ ******كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان

ثم يلتفت إلى الوراء وما خلفه التاريخ من عبر,

-ولم يكن بهذه الالتفاتة بدعاً من الشعراء فقد سبقه ابن عبدون من الأندلسيين ومن قبله من المقدمين النابغة الذبياني إذ يقول - وكان الفاروق رضي الله عنه كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات -:

لا شيء مما ترى تبقى بشاشته ... ,يبقى الاله ويودى المال والولدُ

لم تغنِ عن هرمزٍ يوماً خزائنُهُ ... , والخلدَ قد حاولت عادٌ فما خلدوا

ولا سليمان إذ تجري الرياحُ له ... , والانس والجنُّ فيما بينها بُرُدُ

أين الملوك التي كانت مواهبها ... , في كل يومٍ إليها راكبٌ يَفِدُ

وِِرْدٌ هنالك مورودٌ بلا كَذِبٍ ... ,لابدَّ من وردِهِ يوماً كما وَردوا:

أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ ***** وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ؟

وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ ****** وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ؟

وأين ما حازه قارون من ذهب ***** وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ؟

أتى على الكُل أمر لا مَرد له ****** حتى قَضَوا فكأن القوم ما كانوا

وصار ما كان من مُلك ومن مَلِك **** كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ

دارَ الزّمانُ على (دارا) وقاتِلِه ****** وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ

كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ ****** يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ

فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة ****** وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ

وللحوادث سُلوان يسهلها ******* وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ

دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له ****** هوى له أُحدٌ وانهدْ ثهلانُ

أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ ***** حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ

وهنا تلوح أطلال القصور والمدن التي سُطِّرت في تاريخ الاسلام

وكانت أحرفاً في حروف لفظ "الدولة الاسلامية" يوماً ما:

فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً) ***** وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)

وأين (قُرطبة) ٌ دارُ العلوم فكم ****** من عالمٍ قد سما فيها له شانُ

وأين (حْمص) ُ وما تحويه من نزهٍ ****** ونهرهُا العَذبُ فياضٌ وملآنُ

قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما ****** عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ

تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ *******كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ

على ديار من الإسلام خالية ******* قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ

وهذه صورٌ حيّةٌ التقطها أبو البقاء لا للذكرى كفعلنا اليوم إذا التقطنا صور طلول الأندلس

بل عَرَضَها -رحمه الله- استنهاضاً للعزائم والهمم لكن ...

أحق عافٍ بدمعك الهممُ:

حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما******* فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ

حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ ******* حتى المنابرُترثي وهي عيدانُ

يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ *******إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ

وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ ********بعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير