ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[23 - 02 - 2008, 03:24 ص]ـ
معروف الرصافي
إن العراق بعَرضِه وبطوله = وبرافديه وباسقات نخليه
يهتزّ مبتهجاً بمَقدم ضَيفه = ويبشّ مبتسماً بوجه نزيله
ومرحباً والشكر في ترحيبه = ومؤهلاً والحمد في تأهليه
بربيب لبنان بريحانِّيه = بكبير معشره بفخر قبيله
بالعبقري بفيلسوف زمانه = بأديب أمته بداهي جِيله
بأصح أحرار الأنام تحرُّراً= في فكره وبفعله وبقيله
إنا نُبجِّل خير مبجَّل = تبجيلُ كل الفضل في تبجيله
أ أمين جئت إلى العراق لكي ترى = ما فيه من غُرَر العلا وحُجوله
عفواً فذاك النجم أصبح آفلاً = والقوم محتربون بعد أفوله
أوَ ما ترى قطر العراق بحسنه = قد فاق مُقِفره على مَأهوله
أما الحَيا فيه فذيّاك الحيا = لكن مسيل الماء غير مسيله
وربيعه ذاك الربيع وإن شكا = من جهل ساكنه اشتداد مُحوله
فأقم به ولك الغنى بفراته = عن قطر مصر وعن موارده نيله
وانزل على وادي السلام مُمَتَّعاً = برغيد عيش تحت ظلّ نخيله
والثِم به ثغر الطبيعة باسماً = يَشفي من المشتاق حَرَ غليله
وترقَبن اسحاره حتى إذا = هبّ النسيم فجسّ نبض عليله
وانظر محاسن أرضه وسمائه = وانشَق أريج شَماله وقَبوله
فالجوّ فيه منيرة أوضاحه = والحسن فيه دقيقه كجليله
والليل فيه مكلَّل بمرصَّع = وكواكب الأكليل من أكليله
وترى النهار به كذهنك واقداً = بالشمس تُشرق في وجوه سهوله
وإذا وقفت بدارس من مجده = فكوقفة الباكين بين طلوله
وانحَبْ كما نحب الحزين مكفكفاً = غَرب الدموع بجانبَيْ مِنديله
فلقد عفا المجد القديم بأرضه = وعليه جرّ الدهر ذيل خُمُوله
وإذا نظرت إلى قلوب رجاله = فانظر حديد الطرف غير كليله
نجد الرجال قلوبها شتى الهوى = مدّ الشِقاق بها حِبالة غُوله
متناكرين لدى الخطوب تناكراً = يعيا لسان الشعر عن تمثيله
فالجار ليس بآمن من جاره = والخِلّ ليس بواثق بخليله
والدين فيه يقول ذو قرءانه = قولاً يحاذر منه ذو إنجيله
وإذا تأوّل قولَهم متأوِّل = صرفوه بالتفكير عن تأويله
وإذا تكلّم عالم في أمرهم = خَفروا ذِمام العلم في تجهيله
حال لو افتكر الحكيم بكُنهه = طول الزمان لعَيّ عن تعليله
من ذا يبدّله فإن قَوارعي = يئست لعمر الله من تبديله
والجهل لا يُبقي على أربابه = كالسيف ليس براحم لقتيله
أ أمين لا تغضب عليّ فإنني =لا أدّعي شيئاً بغير دليله
من أين يُرجى للعراق تقدّم = وسبيل مُمتلِكيه غيرُ سبيله
لا خير في وطن يكون السيف عن= د جبانه والمال عند بخيله
والرأي عند طريده والعلم عن = د غريبه والحكم عند دخيله
وقد استبدّ قليله بكثيره = ظلماً وذَلّ كثيره لقليله
إني إذا جَد المقال بموقف = فضّلت مُجمَله على تفصيله
وإذا المخاطب كان مثلك واعياً = أغنَى اختصار القول عن تطويله
يا مَن يكتّم فضله متواضعاً = والناس مجمِعة على تفضيله
شكواي بُحت بها إليك وليس في = شكوى الزميل غَضاضةٌ لزميله
إن المريض ليستريح إذا اشتكى = ما به لطبيبه وخليله
وكذا الحزين إذا تهيّج حزنه = يبكي فيسكن حزنه بعويله
إني لآنَف أن أبوح بمُضمَري = إلاّ لمقتدر على تحصيله
ولديّ إن وصل الحبيب تمسّك = بالعزّ يمنع فايَ من تقبيله