تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دوما كنت أحل بالمرتبة الأخيرة في أيّ نوع من أنواع الصراعات, فكيف إذن بالألقاب.! فقد تخلفت أيضا في معركة الألقاب اللطيفة و لم يتبقى لي أي لقب يمكنني الزهو و الفخر به. لذا اتخذت اسمَ “ Nesin” أي “هذا صحيح”، ربما كان بدافع التأمل والتفكير في مسائلة ذاتي ما إذا كان هذا صحيح .. !

في سنة 1937 أصبحتُ ضابطا، و بالطبع تعرفون من هو نابليون. حَسناً أنا كُنْتُ أيضاً أحد هؤلاء المصابين بالعاهة النابليونية Napoleons . فكل ضابط جديد كان يعتقد أنه نابليون. و البعض لم يستطيع أبداً أن يبرأ مِنْ هذا المرض طيلة حياته. والبعض قد تم علاجه بعد حين.

هوس النابليونية ‘’ Napoleonitis ‘’ هذا مرض خطير ومعد. من أعراضه التي تتبدى على ضحاياه أنهم لا ينفكون عن التفكير إلا بانتصاراته، ولا يفكرون أبدا بهزائمه، هم عرضة للثنيةِ و الزهو بين أزرار السترةِ العسكرية، تراهم دائماً يقفونَ أمام خريطةَ العالمِ، يرسمون سِهاما بطباشير حمراء اللون، يضعون خطة إخْضاع واِحْتِلال كامل العالم في غضون دقائقِ خمس.

كم أشعر بالأسى لضحايا هذا المرض، ويبدو أن تلك الحمَّى خطيرة جدا, حيث تتضح بذور المخاطر في المراحل التالية، فهم فيما بعد يرون في أنفسهم تيمورلنك و جنكيز خان و هنيبعل, بل يروا في أنفسهم هتلر ذاته.

كضابط مستجد لم يتعدى الاثنين والعشرين عاماً، فَتحتُ أنا أيضاً العالمَ لبضعة أوقات فوق الخريطةِ بطباشير ملونة بالأحمرِ. ودامَ داء عقدة نابليون سَنَةَ أَو اثنتان. على كل حال، حتى أثناء هذا الداءِ لم أكن ميالا إلى الفاشيةِ.

فأنا منذ طفولتي رَغبتُ أنْ أكونَ كاتبا مسرحيا. أما في الجيشِ حيث كنت أحد مشاةَ سلاحَ الفرسان ضمن كتيبة الدبابات والمدفعيةِ، تعين عليّ البحث عن مّخرج عسكري، فبدأت الكتابة المسرحية في سنة 1944.

بعض الجنرالاتَ والضبّاطِ كانوا يصابون بأوجاع في حويصلاتِهم من هؤلاء الّذين لديهم النزعة ليكونوا شعراءَ أَو كُتّابَ يكتبون القصائدَ أَو الرواياتَ، كان مفهوم هذا الأمر هزلياً بالنسبة لهم, فهم لا يتصورا أن شاعراً أو كاتباً بعمر خمسين سنة يُصبحَ يوماً ما قائداً لجيشِ.

بدأتُ كتابة القصة أثناء فترة خدمتي العسكريةِ. ومنذ ذلك الوقت نعمت بالحنق والاستياء مِنْ قبل رؤسائي كجندي يكتب للصحافة. لَمْ أَكْتبْ باسمِي الصريح إنما اسم أبي: عزيز نيسين، أما اسمي الحقيقي “نصرت نيسين” فقد حجب وأصبح طي النسيان.

في تلك الأوقات تم الإشارة لي ككاتب صغير. أما أبي فقد كان رجلا عجوزا ذا لحية رمادية يعمل كموظف حكومي. أنهك نفسه في المكاتبِ الرسمية المختلفة محاولا إثبات أسمه: عزيز نيسين إلى أن مات.

بعد سنوات عندما ذهبت لاستلام نقود حقوقَي المحفوظة عن ترجمة كتبي لغات أجنبية, اكتشفت بأنه يتعين عليّ المعاناة أيضا لإثْبات أنّني هو ذاته الكاتب عزيز نيسين، لأن أوراقي الرسمية و هويتي تقول بأنني “نصرت عزيز”.

مثل العديد مِنْ الكتاب بدأت بكتابة الشعر. ناظم حكمت الذي بدأ إضرابه عن الطّعامَ، نَصحَني بترك الشعرِ بحجة أنني شاعر سيئ. وبالفعل حصرت كتابتي في القصصِ والرواياتِ. غير أنني أدركت فيما بعد بأن نصيحته كانت تخبئ في طياتها نوعاً من الغيرة. وصرحت لمن تساءلوا سبب عدم كتابتي الشعر مرة أخرى، بأن الشعر لا يجمع مال في بلد كتركيا، و لكن الحقيقة كانت تكمن في احترامي العظيمَ للشعر ذاك هو من جعلني أسقطُه في كتاباتي.

وفي أيامنا هذه، العديد ممن يحملون لقب شاعر، ما زالوا يُواصلونَ الكتابة معتقدين بأن الذي ينتجونه يسمى شعراً، إن هؤلاء لَيس لهم أدنى احترام للشعرِ. أعتقدُ أنّ الشعرِ فَنَّ عظيمَ و أقول هذا بضيق شديد لأني أتمنى لهؤلاء أن يكونوا كتابا و شعراء مشهورين و ناجحين.

كثير من المعجبين وجدوا في قصائدِي المَنْشُورةِ اهتماما كبيرا ليس بسبب روعتها و جمالها و لكن بسبب التوقيع باسم امرأة أسفل القصائد. فقصائدي نُشِرتْ تحت اسم أنثى مستعارِ وأكوامِ الرسائل الغراميةِ كانت لهذا السبب فقط.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير