كذلك القول في الأناشيد، مع التنبيه أنه لابد من ضوابط بطبيعة الحال، مثل: عدم الإكثار منها، وخلوها من المعاني السيئة، وألا تكون مصحوبة بآلات محرمة، إلى غير ذلك.
سادسًا: ترك التعصب لغير الحق:
فلو حاورت إنسانًا، فتناول معهدًا تعمل فيه، أو مقالة كتبتها، أو كتابًا ألَّفته، أو محاضرة ألقيتها، أو تناول جهة -تُحسب أنت عليها- بالانتقاص والسب وتتبع الأخطاء، فإياك أن تتعصب لهذا الشيء الذي تنتمي وتنتسب إليه، ثم تبادر بالرد، وتقوم بتقديم كشف بالإيجابيات والحسنات في مقابل الكشف الذي قدمه هو بالأخطاء، والسلبيات .. ، لا؛ بل عليك بالأمور التالية:
- أولاً: دع زمام الحديث بيده حتى ينتهي -كما اتفقنا قبل قليل-.
- ثانيًا: اعترف بصوابه فيما أصاب فيه، والحق ضالة المؤمن -كما سبق-.
- ثالثًا: إذا انتهى فانقد الخطأ بطريقة علمية، بعيدة عن العواطف.
وما أعز وأصعب وأندر أن يتخلص الإنسان من التعصب -أي لون من ألوان التعصب-؛ فإن الحزبيات قد أثَّرت في المسلمين تأثيرًا كبيرًا جدًّا.
فمثلاً: يتعصب الإنسان -أحيانًا- لمذهب أو لوطن، أو قبيلة، أو لدعوة، أو لجماعة، فهذا ما يُسمى بالحزبية، بحيث يحيط هذا الشيء بعقله، فلا يملك عقلاً متحررًا من القيود والأوهام؛ بل تجده يدور في فلك معين، ولا يستطيع أن يتقبل الحق إلا في إطار محدود.
سابعًا: احترام الطرف الآخر:
فنحن مأمورون أن نُنزل الناس منازلهم، وألا نبخس الناس أشياءهم.
فيا أخي المسلم الداعية، ليس النجاح في الحوار والمناظرة مرهونًا بإسقاطك لشخصية الطرف الآخر الذي تناظره، ولا إسقاطك لشخصيته يعني أنك نجحت في المناظرة؛ بل ربما يرتد الأمر عليك، ويكون هذا دليلاً على إفلاسك وعجزك، وأنك لا تملك الحجة؛ فاشتغلت بالمتكلِّم عن الكلام.
والناس اليوم تعي وتعقل، ولو أنك سندت قولاً من الأقوال الباطلة الزائفة حينًا من الزمن بالتهويش، واللجاج، فإن هذا القول الذي لا يسنده الحق سرعان ما ينهار ويتهاوى بمجرد غفلة السَّاعين به، أو انشغالهم عنه بغيره، فيموت وينساه الناس.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم - "ليس المؤمن بالطعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء" (13)، فالمؤمن ليس باللعان، ولا بالطعان في الناس وأعراضهم، ونياتهم ومقاصدهم وأحوالهم، ولا بالفاحش، ولا بالبذيء.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحِّشًا، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا" (14)، فهذا حال النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، وهذا كلامه في وصف المؤمن، أنه لا يحب الفحش ولا التفحش.
ومن بديع احترام رأي الآخرين، ما ينقل عن الإمام مالك: أنه لمَّا ألَّف الموطأ، ومكث أربعين سنة يؤلفه، وقرئ عليه آلاف المرات، وعرضه على سبعين من العلماء فأقروه عليه، وتعب فيه أيما تعب، ومع ذلك لمَّا بلغ الخليفة المنصور كتاب مالك وأعجبه، وقال: إنا نريد أن نعممه على الأمصار، ونأمرهم باتباعه؛ قال له الإمام مالك: "لا تفعل -رحمك الله-، فإن الناس سبقت منهم أقاويل، وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وما أتوا به، وعملوا بذلك ودانوا به وكل ذلك من اختلاف أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم من بعدهم من التابعين، ورد الناس عما اعتقدوه ودانوا به أمر صعب شديد، فدع الناس وما هم عليه، ودع أهل كل بلد وما اختاروا لأنفسهم" (15).
فلا حاجة إلى اللجوء إلى تبكيت الشخص الذي تخاصمه وإحراجه والسخرية منه.
ثامنًا: الموضوعية:
الموضوعية تعني: رعاية الموضوع، وعدم الخروج عنه.
- فمن الموضوعية: عدم الهروب من الموضوع الأساسي إلى غيره. إن بعض الناس إذا أحرجته في موضوع هرب منه إلى موضوع آخر، فهو ينتقل من موضوع إلى موضوع، وكلما أُحرج في نقطة انسحب منها إلى غيرها، ونقل الحديث نقلة بعيدة أو قريبة.
ولعل هذا أعظم أدواء المناظرة، التي تجعل الإنسان يخرج منها -ربما بعد ساعات- دون طائل، والموضوع يقتضي ألا تخرج من نقطة إلا إذا انتهيت منها، ثم تنتقل إلى غيرها.
¥