تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

-كذلك من الموضوعية: عدم إدخال موضوع في آخر، فقد تتكلم مع إنسان في قضية حجاب المرأة المسلمة، وضرورة التزامها بالستر، وبُعدها عن السفور، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، أو الذهاب إلى أماكن اللهو والفساد وغير ذلك، فتجد أنه بدلاً من أن يناقشك في هذا الموضوع يقول: يا أخي، الناس قد وصلوا إلى القمر، وأنت لازلت تجادل في هذا الموضوع!

فما علاقة وصول الناس إلى القمر أو عدم وصولهم بقضية مطالبتنا بحجاب المرأة المسلمة؟! أليس هذا إدخالاً لموضوع في قضية أخرى لا يتعلق بها؟

وقد تُكلِّم إنسانًا -مثلاً- في قضية الغناء الفاحش البذيء، الذي أصبح يصك الأسماع، ويهيِّج الغرائز، ويدعو إلى الرذيلة، فيقول لك: يا أخي، المسلمون يُقتلون في مشارق البلاد ومغاربها، وتسفك دماؤهم، وتنتهك أعراضهم، وأنت لازلت تتكلم في هذه الجزئيات؟!

فما دمنا قد اتفقنا أن موضوع الغناء هو مادة الحوار الذي سيناقَش، فما دخل قضية قتل المسلمين بذلك؟ وهل إذا تركنا الحديث عن الغناء أو الحديث عن حجاب المرأة المسلمة، ستُحل مشاكل المسلمين، ويُرفع الظلم عن المظلومين؟!

-كذلك من الموضوعية: عدم النيل من المتحدث باتهامه في نيته أو الكلام على شخصه، فبعض الناس يقول: من هذا الإنسان؟ ما هدفه؟ ما تاريخه؟ من وراءه؟ ما درجته من العلم؟ ما قدره؟

فيا أخي، ما علاقتك بهذا الشخص المتكلِّم؟ المهم أن أمامك دعوى وكلامًا ومطلوب منك مناقشته بالحجة والبرهان، فدع المتكلم جانبًا، وانظر في الكلام الذي قيل، وما قدره من الخطأ أو من الصواب؟

اعمل بقولي وإن قصرت في عملي ... ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري (16)

-كذلك ليس من الموضوعية: الاشتغال بالأيمان المغلظة، والله سبحانه وتعالى ذمَّ الذين يكثرون من اليمين: قال تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) [القلم:10 - 13]، فهذا دعيٌّ ملصق في أهل العلم وليس منهم، وملصق في قومه وليس منهم، ومع ذلك يكثر من الأيمان الكاذبة، أو قد لا تكون كاذبة لكن اليمين ليس حجة، فكونك تحلف بالله العظيم الذي لا إله إلا هو أن هذا هو الحق، فهذا لا يقدِّم ولا يؤخِّر.

قد تكون مقتنعًا فعلاً أنه هو الحق، لكن قناعتك هذه ليست نابعة من دراستك، أو معرفتك بالحجج والأدلة؛ ولكنها نابعة عما تلقيته عن شيخ تعظمه فوقر في قلبك، أو درسته منذ صغرك فاستقر في قراره في نفسك، وليس لأن لديك دليلاً قويًّا على أنه هو الحق.

وفرق بين أن تكون مقتنعًا قناعة مطلقة بأنه هو الحق، فتحلف على ذلك، فإذا حلفتَ أنت عرفتُ أنك تعتقد أنه هو الحق، ولكن لا يلزم أن يكون هو الحق، فقد تراه حقًّا وتحلف عليه، والواقع أن الحق بخلافه.

-كذلك من الموضوعية: تجنب الكذب في الحديث، فإن المناظر قد يكذب أحيانًا، فقد سمعت مرة مناظرة بين اثنين في قضية أحدهما شيعي، فقام الشيعي وقال: روى الإمام أحمد في مسنده، وذكر حديثًا موضوعًا مختلقًا، وهذا الحديث إذا رجعت للجزء والصفحة من المسند، لا تجده، لكنه يعرف أن الخصم ليس عنده وقت حتى يرجع للمسند، ويتأكد من صحة الحديث، ومن البعيد جدًّا أن يكون قد أحاط بمسند الإمام أحمد حتى يعرف ما فيه، مما ليس فيه، فيستغل حديثًا مختلقًا ليضر به الخصم، وينسبه إلى كتاب من هذه الكتب، وربما ينطلي عليه.

فهذا ليس من الموضوعية في شيء، وإذا لم يكتشفه الخصم حال المناقشة فسيكتشفه فيما بعد، ويبين أنك كنت كاذبًا فيما ادعيت.

ومثل الكذب وأخوه بتر النصوص، وهو أن تنقل نصًّا طويلاً، فتجتزئ الكلام الذي يصلح لك، ويدل على ما تريد، وتترك الباقي، فهذا ليس من الأمانة؛ بل عليك أن تنقل الكلام كاملاً حتى يشاركك الناس فيما استنتجته، فإما أن يقرُّوك، وإما أن يخالفوك في الفهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير