أولا: أن مبنى كل من السؤال والجواب على حالة تعذر فيها على المستفتي أن يجد البديل المشروع الذي يغنيه عن اللجوء إلى الاكتساب المحرم ويسأل عن مخرج له في الوقت الراهن فجاءت الفتوى مشيرة إلى رخصة فقهية يمكن لمن وقع في ضرورة أو حاجة ماسة تنزل منزلتها أن يلجا إليها دفعا لضرورته بصورة مؤقتة إلى أن يتوفر له البديل المشروع الذي ينبغي أن يسعى إليه سعيا حثيثا، وأن لا يدخر وسعا في سبيل تحصيله، فقد كان نص السؤال الذي وجه إلى فضيلته ما يلي:
أنا شاب مسلم وأعمل في هولندا في سوبر ماركت لشخص هو الآخر مسلم ولكن يباع في هذا المكان بعض من زجاجات الخمور ولحم الخنزير، وقد بحثت عن عمل آخر ولكن للأسف لم أجد في الوقت الحالي، فماذا أفعل الآن؟
والرخص الفقهية هي ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحا لأمر في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره، والأخذ برخص الفقهاء بمعنى اتباع ما هو أخف من أقوالهم جائز شرعا – على ما ذكره أهل العلم - بالضوابط الآتية:
• أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها معتبرة شرعا ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال
• أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة دفعا للمشقة سواء كانت حاجة عامة للمجتمع أم خاصة أم فردية
• أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك
• ألا يكون الأخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع
• أن تطمئن نفس المترخص للأخذ بالرخصة
• ألا يترتب على الأخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع
ويكون التلفيق ممنوعا في الأحوال التالية:
إذا أدى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى أو الإخلال بأحد الضوابط المبينة سابقا في مسألة الأخذ بالرخص
إذا أدى إلى نقض حكم القضاء
إذا أدى إلى نقض ما عمل به تقليدا في واقعة واحدة
إذا أدى إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه
إذا أدى إلى حالة مركبة لا يقرها أحد من المجتهدين
ثانيا: ومن أجل ما سبق فقد كان المأمول من فضيلته وهو العالم الثبت أن ينبه المستفتي على ضوابط الترخص بقدر ما تتسع له مداركه، وأدنى ذلك أن يؤكد للمستفتي على حرمة عمله في الأصل، وأن بقاءه فيه عارض دفعا لحالة الضرورة أو الحاجة الماسة، وأن عليه أن يسعى إلى طلب البديل المشروع، وأن ينتقل إليه عند أول القدرة على ذلك، حتى لا يطير الناس هذه الفتوى كل مطير، ويتخذون منها تكأة لتحليل ما حرم الله على عباده من الربا والميسر والخمر والخنزير تحليلا مطلقا في عسرهم ويسرهم ومنشطهم ومكرههم، وما أكثر ما يقع هذا في أوساط العامة، وينسبون إلى فضيلته ما لعله لم يخطر بباله طرفة عين! ولا بد أن فضيلته خبر ذلك منهم وهو الرحالة الذي طوف بعلمه في المشارق والمغارب!
ولا يفوتنا في النهاية أن نؤكد أن فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية فقيه مبرز وعالم جليل، فلا يظن بفضيلته أنه قصد إطلاق القول بحل التعامل في الخمور مع غير المسلمين بيعا وشراء خارج ديار الإسلام، بل هذا هو الذي نفاه في بعض المقابلات التي أجريت مع فضيلته في أعقاب انتشار هذه الفتوى والتي أبدى فيها أسفه ودهشته على إساءة قراءة فتواه.
ولهذا فإن تعقيبنا علي فضيلته في بعض جزئيات هذه الفتوى لا تعني الغض من مكانته، فلم يزل المنتسبون إلى العلم يكمل بعضهم بعضا ويرد بعضهم على بعض على مدار التاريخ، ولم يغض هذه من قدرهم ولم يوهن عرى العلائق بينهم، بل هي النصيحة التي أوجبها النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إليها بأنها جماع الدين وبين أنها لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى وساء السبيل
نسأل الله أن يجمعنا وإياه على الحق وأن يردنا وإياه إليه ردا جميلا اللهم آمين
د. صلاح الصاوي
الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
ـ[البلاغية]ــــــــ[03 Jul 2006, 07:27 م]ـ
جهد تستحق الشكر عليه
جزاك ربي خيرا على هذه الإفادة
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[03 Jul 2006, 08:02 م]ـ
جزاك الله خيراً