تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واستدل الخطيب على ذلك بأحاديث منها حديث (إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا بالذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر) وهو حديث رواه الطبراني في مسند الشاميين وفي معجمه الكبير وابن أبي شيبة في مصنفه. واستدل بأحاديث أخرى.

وقد بين العلماء في كتب أصول الفقه وفي كتب الفقه أيضاً مراتب العلماء، وممن بيَّن ووضح مراتب العلماء الإمام المحدث أبو عمرو بن الصلاح والإمام النووي وابن حمدان الحنبلي وابن تيمية رحمهم الله، وغيرهم كثير.

وخلاصة ما أوردوه ما يلي:

أن العلماء على قسمين:

القسم الأول: مجتهد مستقل، وسمي بذلك لأنه يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية، من غير تقليد لأحد من العلماء، ولا تقُّيد بأصول إمام سبقه، وهذا القسم لا بد أن يتصف بصفات تؤهله لهذا المنصف الرفيع.

ولذا قال علماؤنا رحمهم الله: يشترط في هذا الصنف:

1 - أن يكون قيماً بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وما التحق بها على التفصيل.

2 - وأن يكون عالماً بما يشترط في الأدلة، ووجوه دلالتها، وبكيفية اقتباس الأحكام منها، وهذا يستفاد من أصول الفقه.

3 - عارفاً من علوم القرآن، والحديث، والناسخ والمنسوخ، والنحو واللغة والتصريف، واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن معه من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها.

4 - ذا دربةٍ وارتياض في استعمال ذلك.

5 - عالماً بالفقه ضابطاً لأمهات مسائله وتفاريعه.

فمن جمع هذه الأوصاف فهو المفتي المطلق المستقل، الذي يتأدى به فرض الكفاية.

وممن اتفق العلماء على بلوغهم هذه مجتهدوا الصحابة، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ومعاذ وغيرهم.

وكذا فقهاء المدينة السبعة من التابعين، وممن بعد التابعين سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وأبو حنيفة ومالك والليث بن سعد والشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وغيرهم كثير.

القسم الثاني: المفتي الذي ليس بمستقل، بل يتبع إماماً من الأئمة المستقلين، وينسب إلى مذهبه، وهذا القسم على مراتب:

المرتبة الأولى: (أصحاب الوجوه)، وهم الذين بلغوا في العلم غاية كبيرة، وتوفرت فيهم الشروط والصفات والمؤهلات المطلوبة في المجتهد المستقل، وإنما ينسب الواحد منهم إلى الإمام الذي تبعه لسلوكه طريقه في الاجتهاد، مع أنه في الحقيقة ليس مقلداً لإمامه، لا في المذهب ولا في دليله، وفتوى أصحاب هذه المرتبة كفتوى المجتهد المستقل من حيث صحة العمل بها، والاعتداد بها في الإجماع والخلاف، وممن بلغ هذه المرتبة الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني من الحنفية، وابن القاسم وابن وهب وأشهب من المالكية، والمزني والبويطي وابن المنذر وابن جرير الطبري من الشافعية، وأبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة.

المرتبة الثانية: مجتهد الفتوى، وصاحب هذه المرتبة لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه، لكنه فقيهُ النفسِ، حافظٌ مذهبَ إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريرها، يصور ويحرر، ويقرر ويمهد، ويزيف ويرجح، لكنه قصر عن أصحاب الوجوه لقصوره عنهم في حفظ المذهب أو الارتياض في الاستنباط أو معرفة الأصول ونحوها من أدواتهم.

وممن بلغ هذه المرتبة الطحاوي والكرخي والسرخسي من الحنفية، والمازري والقاضي عبد الوهاب والقاضي عياض من المالكية، والإمام الغزالي والرافعي والنووي من الشافعية، والإمام ابن قدامة المقدسي وشيخ الإسلام ابن تيمية من الحنابلة.

المرتبة الثالثة: أصحاب الترجيح في المذهب، وهؤلاء لا يقدرون على الاجتهاد، لكنَّهم لإحاطتهم بالأصول، وضبطهم للمآخذ، يقدرون على تفصيل قولٍ مجملٍ ذي وجهين، وحكم مبهمٍ محتملٍ لأمرين منقولٍ عن صاحب المذهب، أو أحد أصحابه.

وممن بلغ هذه المرتبة صاحبُ الهداية من الحنفية والحطاب من المالكية والإسنوى من الشافعية وابن مفلح من الحنبلية.

المرتبة الرابعة: (حَفَظَةُ المذْهَبِ)، وصفة هؤلاء أن يقوم الواحد منهم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات، ولكن عنده ضعف في تقرير أدلته، وتحرير أقيسته، فهذا الصنف يُعْتَمَدُ نَقْلُه وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه، من نصوص إمامه، وتفريع المجتهدين في مذهبه، وما لا يجده منقولاً إن وجد في المنقول معناه، بحيث يدرك بغير كبير فكر أنَّه لا فرق بينهما، جاز إلحاقه به والفتوى به، وكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط ممهد في المذهب، وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى فيه.

والمقصود بحفظ المذهب: أن يكون معظم المذهب على ذهنه، ويتمكن لدربته من الوقوف على الباقي على قرب.

وممن بلغ هذه المرتبة الإمام ابن نجيم وابن عابدين من الحنفية، والدسوقي والصاوي من الماليكة، والإمامان ابن حجر الهيتمي والرملي من الشافعية، والإمامان المرداوي والبهوتي من الحنابلة.

المرتبة الخامسة: المشتغل بالمذهب، ولا يُسْتَحَقُ هذا الوصف إلا بثلاثةِ أمورٍ:

أولها: أن يكون عارفاً بمسألة التمذهب حقيقةً وحكماً.

ثانيها: أن يكون عارفاً بقواعد الوقوف على معتمد مذهبه.

ثالثها: أن يكون عنده ممارسة يستطيع من خلالها أن يعرف ثلاثة أشياء:

1. لغة المذهب – أي مصطلحاته – كـ (الوجه والرواية والمعتمد والمشهور والظاهر ... ).

2. المعرفة بأحكام المذهب، وتعرف من مصدرين:

المصدر الأول: القواعد والأصول، ومحلها علم أصول الفقه.

المصدر الثاني: الجانب التطبيقي، ويعرف من علم الفروع (علم الفقه).

3. أن يكون عارفاً بمواضع بحث المسائل، فإذا أراد أن يبحث مسألة العورة مثلاً، فإن المكان المعتاد أنْ تذْكَرَ فيه، وأن يبين حكمها، هو كتاب الصلاة، في فصل الشروط، في مسألة شرط ستر العورة، وتبحث مسألة العورة أيضاً في كتاب النكاح، باب ما يجوز أن ينظره الخاطب من المخطوبة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير