الشر كله فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله عز وجل.
الحرز التاسع: الوضوء والصلاة وهذا من أعظم ما يتحرز به منه. ولا سيما عند توارد قوة الغضب والشهوة. فإنها نار تغلي في قلب ابن آدم كما في الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رايتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض]، وفي أثر آخر [إن الشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء]، فأما أطفأ العبد جمرة الغضب والشهوة بمثل الوضوء والصلاة. فإنها نار والوضوء يطفئها.
والصلاة إذا وقعت بخشوعها والإقبال فيها على الله أذهبت أثر ذلك كله وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل عليه.
الحرز العاشر: إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس. فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة. فإن فضول النظر يدعو إلى الاستحسان، ووقوع صورة المنظور إليه في القلب والاشتغال به. والفكرة في الظفر به. فمبدأ الفتنة من فضول النظر كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [النظرة سهم مسموم من سهام إبليس. فمن غض بصره لله أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه]، أو كما قال صلى الله عليه وسلم: فالحوادث العظام إنما كلها من فضول النظر فكم نظرة أعقبت حسرات لا حسرة، كما قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر=ومعظم النار من مستصفر الشرر
كم نظرة فتكت في قلبها صاحبها=فتك السهام بلا قوس ولا وتر
وقال الآخر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً=لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لاكله أنت قادر=عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وقال المتنبي:
وأنا الذي جلب المنية طرفه=فمن المطالب والقتيل القاتل
ولي في أبيات:
يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً= أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له =توقه أنه يرتد بالعطب
ترجوالشفاء بأحداق بها مرض = فهل سمعت ببرء جاء من عطب
ومفنياً نفسه في أثر أقبحهم =وصفاً للطخ جمال فيه مستلب
وواهباً عمره في مثل ذا سفها = لو كنت تعرف قدر العمر لم تهب
وبائعاً طيب عيش ماله خطر =بطيف عيش من الآلام منتهب
غبنت والله غبت فاحشاً فلو اسـ =ـترجعت ذا العقد لم تغبن ولم تخب
ووارداً صفو عيش كله كدر =أمامك الورد صفواً ليس بالكذب
وحاطب الليل في الظلماء منتصباً = لكل داهية تدن من العطب
شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب = وضاع وقتك بين اللهو واللعب
وشمس عمرك قد حان الغروب لها = والضي في الأفق الشرقي لم يغب
وفاز بالوصل من قد فاز وانقشعت = عن أفقه ظلمات الليل والسحب
كم ذا التخلف والدنيا قد ارتحلت =ورسل ربك قد وافتك في الطلب
ما في الديار وقد سارت ركائب من = تهواه للصب من سكنى ولا أرب
فافرش الخد ذياك التراب وقل = ما قاله صاحب الأشواق في الحقب
ما ربع مية محفوفاً يطوف به = غيلان أشهى له من ربعك الخرب
ولا الخدود وإن أدمين من ضرج = اشفى إلى ناظري من خدك الترب
منازلاً كان يهواها ويألفها = أيام كان منال الوصل عن كثب
فكلما جليت تلك الربوع له = يهوي إليها هوى الماء في صبب
أحيى له الشوق تذكار العهود بها = فلو دعا القلب للسلوان لم يجب
هذا وكم منزل في الأرض يألفه = وما له في سواها الدهر من رغب
ما في الخيام أخو وجد يريحك أن = بثثته بعض شأن الحب فاغترب
وأسر في غمرات الليل مهتدياً = بنفحة الطيب لا بالنار والحطب
وعاد كل أخي جبن ومعجزة = وحارب النفس لا تلقيك في الحرب
وخذ لنفسك نوراً تستضيء به = يوم اقتسام الورى الأنوار بالرتب
فالجسر ذو ظلمات ليس يقطعه = إلا بنور ينجي العبد في الكرب
والمقصود أن فضول النظر أصل البلاء، وأما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبواباً من الشر كلها مداخل للشيطان. فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها وكم من حرب جرتها كلمة واحدة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: [وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم]. وفي الترمذي أن رجلاً من الأنصار توفي فقال بعض الصحابة طوبى له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [فما يدريك فلعله تكلم بما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه] وأكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام والنظر وهما أوسع مداخل الشيطان فإن
¥