تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وللمحبوب عدو هو أبغض خلقه إليه قد جاهره بالعداوة وأمر عباده أن يكون دينهم وطاعتهم وعبادتهم له دون وليهم ومعبودهم الحق واستقطع عباده واتخذ منهم حزبا ظاهروه ووالوه على ربهم وكانوا أعداء له مع هذا العدو يدعون إلى سخطه ويطعنون في ربوبيته وإلهيته ووحدانيته ويسبونه ويكذبونه ويفتنون أولياءه ويؤذونهم بأنواع الأذى ويجهدون على إعدامهم من الوجود وإقامة الدولة لهم ومحو كل ما يحبه الله ويرضاه وتبديله بكل ما يسخطه ويكرهه فعرفه بهذا العدو وطرائقهم وأعمالهم ومالهم وحذره موالاتهم والدخول في زمرتهم والكون معهم، وأخبره في عهده أنه أجود الأجودين وأكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وأنه سبقت رحمته غضبه وحلمه عقوبته وعفوه مؤاخذته وأنه قد أفاض على خلقه النعمة وكتب على نفسه الرحمة وأنه يحب الإحسان والجود والعطاء والبر وأن الفضل كله بيده والخير كله منه والجود كله له وأحب ما إليه أن يجود على عباده ويوسعهم فضلا ويغمرهم إحسانا وجودا ويتم عليهم نعمته ويضاعف لديهم منته ويتعرف إليهم بأوصافه وأسمائه ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، فهو الجواد لذاته وجود كل جواد خلقه الله ويخلقه أبدا أقل من ذرة بالقياس إلى جوده فليس الجواد على الإطلاق إلا هو وجود كل جواد فمن جوده ومحبته للجود والإعطاء والإحسان والبر والإنعام والإفضال فوق ما يخطرببال الخلق أو يدور في أوهامهم وفرحه بعطائه وجوده وإفضاله أشد من فرح الآخذ بما يعطاه ويأخذه أحوج ما هو إليه أعظم ما كان قدرا فإذا اجتمع شدة الحاجة وعظم قدر العطية والنفع بها فما الظن بفرح المعطي ففرح المعطي سبحانه بعطائه أشد وأعظم من فرح هذا بما يأخذه ولله المثل الأعلى إذ هذا شأن الجواد من الخلق فإنه يحصل له من الفرح والسرور والإبتهاج واللذة بعطائه وجوده فوق ما يحصل لمن يعطيه ولكن الآخذ غائب بلذة أخذه عن لذة المعطي وابتهاجه وسروره هذا مع كمال حاجته إلى ما يعطيه وفقره إليه وعدم وثوقه بإستخلاف مثله وخوف الحاجة إليه عند ذهابه والتعرض لذل الإستعانة بنظيره ومن هو دونه ونفسه قد طبعت على الحرص والشح، فما الظن بمن تقدس وتنزه عن ذلك كله ولو أن أهل سماواته وأرضه وأول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم ورطبهم ويابسهم قاموا في صعيد واحد فسألوه فأعطى كل واحد ما سأله ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة، وهو الجواد لذاته كما أنه الحي لذاته العليم لذاته السميع البصير لذاته فجوده العالي من لوازم ذاته والعفو أحب إليه من الإنتقام والرحمة أحب إليه من العقوبة والفضل أحب إليه من العدل والعطاء أحب إليه من المنع، فإذا تعرض عبده ومحبوبه الذي خلقه لنفسه وأعد له أنواع كرامته وفضله على غيره وجعله محل معرفته وأنزل إليه كتابه وأرسل إليه رسوله واعتنى بأمره ولم يهمله ولم يتركه سدى فتعرض لغضبه وارتكب مساخطه وما يكرهه وأبق منه ووالى عدوه وظاهره عليه وتحيز إليه وقطع طريق نعمه وإحسانه إليه التي هي أحب شيء إليه وفتح طريق العقوبة والغضب والإنتقام فقد استدعى من الجواد الكريم خلاف ما هو موصوف به من الجود والإحسان والبر وتعرض لإغضابه وإسخاطه وانتقامه وأن يصير غضبه وسخطه في موضع رضاه وانتقامه وعقوبته في موضع كرمه وبره وعطائه فاستدعى بمعصيته من أفعاله ما سواه أحب إليه منه وخلاف ما هو من لوازم ذاته من الجود والإحسان، فبينما هو حبيبه المقرب المخصوص بالكرامة إذا انقلب آبقا شاردا رادا لكرامته مائلا عنه إلى عدوه مع شدة حاجته إليه وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فبينما ذلك الحبيب مع العدو في طاعته وخدمته ناسيا لسيده منهمكا في موافقة عدوه قد استدعى من سيده خلاف ما هو أهله إذ عرضت له فكرة فتذكر بر سيده وعطفه وجوده وكرمه وعلم أنه لا بد له من وأن مصيره إليه وعرضه عليه وأنه إن لم يقدم عليه بنفسه قدم به عليه على أسوأ الأحوال ففر إلى سيده من بلد عدوه وجد في الهرب إليه حتى وصل إلى بابه فوضع خده على عتبة بابه وتوسد ثرى أعتابه متذللا متضرعا خاشعا باكيا آسفا يتملق سيده ويسترحمه ويستعطفه ويعتذر إليه قد ألقى بيده إليه واستسلم له وأعطاه قياده وألقى إليه زمامه فعلم سيده ما في قلبه فعاد مكان الغضب عليه رضا عنه ومكان الشدة عليه رحمة به وأبدله بالعقوبة عفوا وبالمنع عطاء وبالمؤاخذة حلما فاستدعى بالتوبة والرجوع من سيده ما هو أهله وما هو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير