أن الذكر قوت القلب والروح، فإذا فقه العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته، ومنها أنه يطرد الشيطان، ويقمعه، ويكسره، ويرضي الرحمن عزّ وجلّ ويزيل الهمّ والغمّ عن القلب، ويجلب له الفرح والسرور والبسط، وينور القلب والوجه، ويكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة، ويورثه محبة الله عزّ وجل، وتقواه، والإنابة إليه، وكذلك يورث العبدّ ذكر الله عزّ وجل، كما قال تعالى: ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ? (البقرة:من الآية 152).
ولو لم يكن فى الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً ويورث جلاء القلب من الغفلة، ويحط الخطايا.
ورغم أنه من أيسر العبادات، إلا أن العطاء والفضل الذى رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قديرٌ، فى اليوم مائة مرة كانت له عدل عشرة رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه " [البخاري].
وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة فى الجنة " [صححه الألباني]
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " لأن أسبح الله تعالى تسبيحات أحب إلىّ من أن أنفق عددهم دنانير فى سبيل الله عزّ وجلّ ".
والذكر دواء لقسوة القلوب، كما قال رجل للحسن: يا أبا سعيد: أشكو إليك قسوة قلبي، قال: " أذبه بالذكر "، وقال مكحول: " ذكر الله شفاءٌ وذكر الناس داءٌ "، قال رجل لسلمان: أي الأعمال أفضل؟ فقال: أما تقرأ القرآن: ? وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ? (العنكبوت من الآية: 45).
وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " مثل الذى يذكر ربه والذى لايذكر ربه مثل الحيّ والميت " [البخاري]
ودوام الذكر تكثير لشهود العبد يوم القيامة، وسبب لاشتغال العبد عن الكلام الباطل من الغيبة والنميمة وغير ذلك، فإما لسان ذاكر وإما لسان لاغِ، فمن فُتح له بابُ الذكر فقد فُتح له بابُ الدخول على الله عز وجل، فليتطهر وليدخل على ربه عز وجل، يجد عنده ما يريد، فإن وجد ربه عز وجل وجد كل شىء، وإن فاته ربه عز وجل فاته كل شىء.
وللذكر أنواع: منها: ذكر أسماء الله عز وجل، وصفاته، ومدحه، والثناء عليه بها، نحو: " سبحان الله "، و " الحمد الله "، و " لا إله إلا الله "، ومنها: الخبر عن الله عز وجل بأحكام أسمائه وصفاته، نحو: الله عز وجلّ يسمع أصوات عباده ويرى حركاتهم، ومنها: ذكر الأمر والنهي كأن تقول: إن الله عز وجل أمر بكذا، ونهى عن كذا.
ومن ذكره سبحانه وتعالى ذكرُ آلائه وإحسانه، وأفضل الذكر: تلاوة القرآن، وذلك لتضمنه لأدوية القلب وعلاجه من جميع الأمراض، قال الله تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ ? (يونس من الآية: 57).
وقال الله تعالى:? وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ? (الإسراء من الآية: 82)
وأمراض القلب تجمعها أمراض الشبهات والشهوات،والقرآن شفاء للنوعين، ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفيدة للعلم، والتصور، والادراك بحيث يرى الأشياء على ما هي.
فمن درس القرآن وخالط قلبه، أبصر الحق والباطل وميزّ بينهما، كما يميز بعينيه بين الليل والنهار، وأما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة، بالتزهيد فى الدنيا، والترغيب فى الآخرة.
وبالجملة فأنفع شىء للعبد هو ذكر الله عزّ وجلّ:? أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ? (الرعد:28).
وأفضل الذكر تلاوة كتاب الله عزّ وجل ّ.
قال الله تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ? (فاطر:29 - 30).
وعن عثمان رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " [البخاري].
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" الذى يقرأ القرآن وهو ماهر فيه مع السفرة الكرام البررة، والذى يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " [البخاري].
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " إن من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " [الترمذي وقال حديث حسن صحيح].
وقال خباب رضي الله عنه: " تقرب إلى الله ما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشىء أحب إليه من كلامه ".
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: " لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم ".
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله فليعرض نفسه على القرأن، فإن أحب القرآن فهو يحب الله فإنما القرآن كلام الله".
¥