تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[الطبيب]ــــــــ[13 Jan 2007, 10:47 م]ـ

تواتر فضل الرب على العبد

قال ابن القيّم رحمه الله في المدارج:

هذا مع تواتر إحسان الله إليك على مدى الأنفاس أزاح عللك ومكنك من التزود إلى جنته وبعث إليك الدليل وأعطاك مؤنة السفر وما تتزود به وما تحارب به قطاع الطريق عليك، فأعطاك السمع والبصر والفؤاد، وعرفك الخير والشر والنافع والضار، وأرسل إليك رسوله وأنزل إليك كتابه ويسره للذكر والفهم والعمل.

وأعانك بمدد من جنده الكرام يثبتونك ويحرسونك ويحاربون عدوك ويطردونه عنك ويريدون منك أن لا تميل إليه ولا تصالحه، وهم يكفونك مؤنته، وأنت تأبى إلا مظاهرته عليهم وموالاته دونهم بل تظاهره وتواليه دون وليك الحق الذي هو أولى بك قال الله تعالى: ? وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ?.

طرد إبليس عن سمائه وأخرجه من جنته وأبعده من قربه إذ لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك آدم لكرامتك عليه فعاداه وأبعده، ثم واليت عدوه وملت إليه وصالحته وتتظلم مع ذلك وتشتكي الطرد والإبعاد وتقول:

عودوني الوصال والوصل عذب=ورموني بالصد والصد صعب نعم وكيف لا يطرد من هذه معاملته؟! وكيف لا يبعد عنه من كان هذا وصفه! وكيف يجعل من خاصته وأهل قربه من حاله معه هكذا؟!

قد أفسد ما بينه وبين الله وكدره، أمره الله بشكره لا لحاجته إليه ولكن لينال به المزيد من فضله، فجعل كفر نعمه والإستعانة بها على مساخطه من أكبر أسباب صرفها عنه، وأمره بذكره ليذكره بإحسانه، فجعل نسيانه سببا لنسيان الله له ? نسوا الله فأنساهم أنفسهم ? ? نسوا الله فنسيهم ?

أمره بسؤاله ليعطيه، فلم يسأله!! أعطاه أجل العطايا بلا سؤال، فلم يزل يشكو من يرحمه إلى من لا يرحمه ويتظلم ممن لا يظلمه ويدع من يعاديه ويظلمه، إن أنعم عليه بالصحة والعافية والمال والجاه استعان بنعمه على معاصيه، وإن سلبه ذلك ظل متسخطا على ربه وهو شاكيه، لا يصلح له على عافية ولا على ابتلاء، العافية تلقيه إلى مساخطه والبلاء يدفعه إلى كفرانه وجحود نعمته وشكايته إلى خلقه، دعاه إلى بابه فما وقف عليه ولا طرقه ثم فتحه له فما عرج عليه ولا ولجه، أرسل إليه رسوله يدعوه إلى دار كرامته فعصى الرسول وقال لا أبيع ناجزا بغائب ونقدا بنسيئة ولا أترك ما أراه لشيء سمعت به، ويقول:

خذ ما رأيت ودع شيئا سمعت به=في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحلفإن وافق حظه طاعة الرسول أطاعه لنيل حظه لا لرضى مرسله لم يزل يتمقت إليه بمعاصيه حتى أعرض عنه وأغلق الباب في وجهه.

ومع هذا فلم يؤيسه من رحمته بل قال: متى جئتني قبلتك إن أتيتني ليلا قبلتك وإن أتيتني نهارا قبلتك وإن تقربت مني شبرا تقربت منك ذراعا وإن تقربت مني ذراعا تقربت منك باعا وإن مشيت إليّ هرولت إليك ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ومن أعظم مني جودا وكرما، عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلؤهم على فرشهم، إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إلى صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل إلي تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن أراد رضاي أردت ما يريد، ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد، أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إليّ فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، ومن آثرني على سواي آثرته على سواه، الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والسيئة عندي بواحدة فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له، أشكر اليسير من العمل وأغفر الكثير من الزلل، رحمتي سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي وعفوي سبق عقوبتي، أنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها، (لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض مهلكة دوية عليها طعامه وشرابه فطلبها حتى إذا أيس من حصولها نام في أصل شجرة ينتظر الموت فاستيقظ فإذا هي على رأسه قد تعلق خطامها بالشجرة فالله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته)

وهذه فرحة إحسان وبر ولطف لا فرحة محتاج إلى توبة عبده منتفع بها وكذلك موالاته لعبده إحسانا إليه ومحبة له وبراً به لا يتكثر به من قلة، ولا يتعزز به من ذلة ولا ينتصر به من غلبة، ولا يعده لنائبة ولا يستعين به في أمر ? وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ? فنفى أن يكون له ولي من الذل والله ولي الذين آمنوا وهم أولياؤه.

فهذا شأن الرب وشأن العبد وهم يقيمون أعذار أنفسهم ويحملون ذنوبهم على أقداره، استأثر الله بالمحامد والمجد، وولي الملامة الرجلا.

وما أحسن قول القائل:

تطوي المراحل عن حبيبك دائبا=وتظل تبكيه بدمع ساجم

كذبتك نفسك لست من أحبابه=تشكو البعاد وأنت عين الظالم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير