صاب عليهم صيب الوحي وفيه حياة القلوب والأرواح، فلم يسمعوا منه إلا رعد التهديد والوعيد والتكاليف التي وظعت عليهم في المساء والصباح فجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وجدوا فى الهرب والطلب فى آثارهم والصياح، فنودي عليهم على رءوس الأشهاد وكشفت حالهم للمستبصرين وضرب لهم مثلان بحسب حال الطائفتين منهم: المناظرين والمقلدين فقيل:? أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ?.
ضعفت أبصار بصائرهم عن احتمال ما في الصيب من بروق أنواره وضياء معانيه، وعجزت أسماعهم عن تلقي وعوده وعيده وأوامره ونواهيه، فقاموا عند ذلك حيارى في أودية التيه، لا ينتفع بسمعه السامع ولا يهتدي ببصره البصير ? كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير ?.
ـ[الطبيب]ــــــــ[06 Mar 2007, 03:39 م]ـ
وصف المنافقين 3
قال ابن القيم رحمه الله في المدارج:
أحسن الناس أجساما وأخلبهم لسانا، وألطفهم بيانا، وأخبثهم قلوبا وأضعفهم جنانا.
فهم كالخشب المسندة التى لا ثمر لها قد قلعت من مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها لئلا يطأها السالكون، ? وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ?.
يؤخرون الصلاة عن وقتها الأول إلى شَرَق الموتى فالصبح عند طلوع الشمس والعصر عند الغروب، وينقرونها نقر الغراب إذ هي صلاة الأبدان لا صلاة القلوب، ويلتفتون فيها التفات الثعلب إذ يتيقن أنه مطرود مطلوب، ولا يشهدون الجماعة بل إن صلى أحدهم ففي البيت أو الدكان وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان.
هذه معاملتهم للخلق وتلك معاملتهم للخالق، فخذ وصفهم من أول المطففين وآخر والسماء والطارق.
ولا ينبئك عن أوصافهم مثل خبير، ? يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ?.
فما أكثرهم! وهم الأقلون
وما أجبرهم! وهم الأذلون
وما أجهلهم! وهم المتعالمون
وما أغرهم بالله! إذ هم بعظمته جاهلون
? يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ?.
إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم ذلك وغمهم، وإن أصابهم ابتلاء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم، وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم، ولا يستوي من موروثه الرسول، ومن موروثهم المنافقون، ? إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا: قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ?.
وقال تعالى فى شأن السلفين المختلفين والحق لا يندفع بمكابرة أهل الزيغ والتخليط: ? إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط ?.
كره الله طاعاتهم لخبث قلوبهم وفساد نياتهم فثبطهم عنها وأقعدهم، وأبغض قربهم منه وجواره لميلهم إلى أعدائه فطردهم عنه وأبعدهم، وأعرضوا عن وحيه فأعرض عنهم وأشقاهم وما أسعدهم، وحكم عليهم بحكم عدل لا مطمع لهم في الفلاح بعده إلا أن يكونوا من التائبين فقال تعالى: ? ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ?.
ثم ذكر حكمته في تثبيطهم وإقعادهم وطردهم عن بابه وإبعادهم وأن ذلك من لطفه بأوليائه وإسعادهم فقال وهو أحكم الحاكمين: ? لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ?.
ثقلت عليهم النصوص فكرهوها، وأعياهم حملها فألقوها عن أكتافهم ووضعوها، وتفلتت منهم السنن أن يحفظوها فأهملوها، وصالت عليهم نصوص الكتاب والسنة فوضعوا لها قوانين ردوها بها ودفعوها، ولقد هتك الله أستارهم وكشف أسرارهم وضرب لعباده أمثالهم.
¥