أعدوا لدفعها أصناف العدد وضروب القوانين، وقالوا لما حلت بساحتهم: مالنا ولظواهر لفظية لا تفيدنا شيئا من اليقين، وعوامهم قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه خلفنا من المتأخرين، فإنهم أعلم بها من السلف الماضين، وأقوم بطرائق الحجج والبراهين، وأولئك غلبت عليهم السذاجة وسلامة الصدور، ولم يتفرغوا لتمهيد قواعد النظر ولكن صرفوا هممهم إلى فعل المأمور وترك المحظور، فطريقة المتأخرين: أعلم وأحكم وطريقة السلف الماضين: (أجهل! لكنها أسلم!!)
أنزلوا نصوص السنة والقرآن منزلة الخليفة في هذا الزمان اسمه على السكة وفي الخطبة فوق المنابر مرفوع، والحكم النافذ لغيره فحكمه غير مقبول ولا مسموع.
ـ[الطبيب]ــــــــ[04 Mar 2007, 11:20 ص]ـ
وصف المنافقين (2)
قال ابن القيم رحمه الله في المدارج:
لبسوا ثياب أهل الإيمان على قلوب أهل الزيغ والخسران والغل والكفران.
فالظواهر ظواهر الأنصار والبواطن قد تحيزت إلى الكفار، فألسنتهم ألسنة المسالمين وقلوبهم قلوب المحاربين، ويقولون: ? آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ?.
رأس مالهم الخديعة والمكر وبضاعتهم الكذب والختر، وعندهم العقل المعيشي أن الفريقين عنهم راضون وهم بينهم آمنون ? يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ?.
قد نهكت أمراض الشبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها وغلبت القصود السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها، ففسادهم قد ترامى إلى الهلاك فعجز عنه الأطباء العارفون ? في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ?.
من علقت مخالب شكوكهم بأديم إيمانه مزقته كل تمزيق، ومن تعلق شرر فتنتهم بقلبه ألقاه في عذاب الحريق، ومن دخلت شبهات تلبيسهم في مسامعه حال بين قلبه وبين التصديق، ففسادهم في الأرض كثير وأكثر الناس عنه غافلون، ? وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ?.
المتمسك عندهم بالكتاب والسنة صاحب ظواهر مبخوس حظه من المعقول، والدائر مع النصوص عندهم كحمار يحمل أسفارا فهمه في حمل المنقول، وبضاعة تاجر الوحي لديهم كاسدة وما هو عندهم بمقبول، وأهل الاتباع عندهم سفهاء فهم في خلواتهم ومجالسهم بهم يتطيرون ? وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ?.
لكل منهم وجهان: وجه يلقى به المؤمنين، ووجه ينقلب به إلى إخوانه من الملحدين، وله لسانان: أحدهما يقبله بظاهره المسلمون، والآخر يترجم به عن سره المكنون، ? وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ?.
قد أعرضوا عن الكتاب والسنة استهزاء بأهلهما واستحقارا، وأبوا أن ينقادوا لحكم الوحيين فرحا بما عندهم من العلم الذى لا ينفع الاستكثار منه أشرا واستكبارا، فتراهم أبدا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزئون ? الله يستهزىء بهم ويمدهم فى ظغيانهم يعمهون ?.
خرجوا في طلب التجارة البائرة في بحار الظلمات، فركبوا مراكب الشبه والشكوك تجري بهم في موج الخيالات، فلعبت بسفنهم الريح العاصف فألقتها بين سفن الهالكين ? أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ?.
أضاءت لهم نار الإيمان فأبصروا في ضوئها مواقع الهدى والضلال، ثم طفىء ذلك النور وبقيت نارا تأجج ذات لهب واشتعال، فهم بتلك النار معذبون وفي تلك الظلمات يعمهون ? مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله: ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ?.
أسماع قلوبهم قد أثقلها الوقر فهي لا تسمع منادي الإيمان، وعيون بصائرهم عليها غشاوة العمى فهي لا تبصر حقائق القرآن، وألسنتهم بها خرس عن الحق فهم به لا ينطقون ? صم بكم عمي فهم لا يرجعون ?.
¥