فهنا نتوقف عن قبوله حتى يرد نص يؤيد ما فسره به الصحابي، أو إجماع؛ لأن التفسير منهم رضي الله عنهم ليس من قبيل التفسير اللغوي؛ لأن الملامسة تشمل كل مس وجس بيد أو بغيره، والجماع من بعضها، فإخراج مس اليد والرجل وغير ذلك، وقصر المعنى على الجماع تخصيص لا دليل عليه، لذلك كان هذا من قبيل تفسير بالرأي والاجتهاد، لا من التفسير اللغوي البحت، فلو قال: الملامسة كل لمس أو جس، لصح أن هذا تفسير لغوي بحت، كما فسره بذلك بعض الصحابة وخالف من فسره بأنه الجماع وحده، أي إما أن يكون تفسيراً للمعنى الحقيقي من اللفظ في الاستعمال، وإما أن يكون التفسير لبيان أن المعنى الحقيقي غير مراد عند العرب من هذه اللفظة، وبالله تعالى التوفيق.
المسألة الثانية: أقسام الألفاظ الشرعية الواردة.
الألفاظ الشرعية منقسمة إلى قسمين، وذلك راجع إلى الاعتبار الذي تنظر إليه، وسأتحدث عن هذه المسألة من خلال التقسيم ليتضح مرادي من هذا المقال، وسأجعل التقسيم مبني على قسمين:
القسم الأول: الألفاظ الشرعية باعتبار تعلقها بذات الله تعالى وعدمه.
القسم الثاني: الألفاظ الشرعية باعتبار تعلقها بأمر غيبي، أو مشاهد أو محسوس.
فعلى هذه القسمة يتضح لك ما أريد بيانه من مسألة تفسير الألفاظ.
فأما القسم الأول وهو: الألفاظ الشرعية باعتبار تعلقها بذات الله تعالى وعدمه.
وهو على ضربين:
فالضرب الأول: ألفاظ شرعية لا تتعلق بذات الله تعالى.
وهذا الضرب من الألفاظ: فإما أن يكون متعلقاً بأحكام عملية مطلوبة، وإما أن يتعلق بأخبار غيبية، إما عن الأمم قبلنا، وإما عن ما يجري في الآخرة، وفي البرزخ، وهذه حقها: أن نطلب تفسير الحكم الشرعي بالمصادر السابقة، ليتحقق الامتثال بما جاء بها، وهذه الألفاظ يمتنع أن يكون تفسيرها غير موجود، إذ ما كلفنا الله تعالى بها إلا ولها تفسير نعرفه لنتمكن من العمل.
وأما الأخبار الغيبية التي عن الأمم الماضية، أو أحوال الآخرة، والبرزخ ونشأة الخلق ونحوها: فالإيمان بها كما جاءت، والتصديق بما سيكون، على الوجه الذي أخبر الله تعالى به، وإن جاء تفسير بعض هذه الألفاظ بالنص: أخذنا به، واعتقدناه كما هو، سواء كان التفسير مخبر عن حقيقة وماهية ذلك الشيء، أو لم يخبر بذلك، فحق هذه الألفاظ الإيمان والتصديق بها والاعتبار والاتعاظ.
والضرب الثاني: ألفاظ شرعية تتعلق بذات الله تعالى.
فالنصوص الشرعية إما أن يرد اللفظ فيها عن شيء متعلق بذات الله تعالى، وإما أن يرد ولا متعلق له بذات الله تعالى كما قدمنا آنفاً، فإن كان متعلقاً بذاته سبحانه وتعالى: فكما قلنا آنفاً من قبول تفسيره الوارد من خلال النصوص الشرعية، أو الإجماع الراجع إلى النص الشرعي، أما اللغة فلا يجوز أن يكون تفسير شيء متعلق بذات الله تعالى باللغة العربية ألبتة، ومن هنا وقع الكثير من طلبة العلم وحتى العلماء بخطأ جسيم.
فقد أجمع العلماء على أن ذات الله تعالى غير معروفة وغير مدركة، وأنه لا أحد من البشر يعرف كنه وحقيقة ذات الله تعالى، ومن زعم أنه يعرف ذلك فقد كذب وقد يكفر إن كان عالماً بما يؤول إليه قوله الكاذب.
ولذلك قال السلف عن بعض آيات تعلقت بذات الله تعالى: (نمرها كما جاءت ولا نفسرها)؛ لأنهم يعلمون أن ذات الله تعالى ليست كذوات المخلوقين، وليس عندهم نص من قرآن أو سنة يبيّن لهم ذات الله وحقيقتها، فتوقفوا عن الخوض في هذا؛ لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يطلعهم على ذلك ألبتة، ولن يجد المشغب هنا أثراً صحيحاً عن أئمة الناس كلهم، وهم الصحابة والتابعين وتابعيهم فيه تفسير لشيء متعلق بذات الله تعالى، فالحمد لله كثيراً على موافقة الحق وسلف الأمة حقاً.
واعلم أن التفسير للفظ فهو متعلق بكيفية الشيء وكذلك حقيقته وماهيته، فنحن على يقين أن الله تعالى لم يبين لنا لا كيفية ما تعلق بذاته، ولا حقيقة وماهية ذلك الشيء ألبتة، فمن زعم أنه يعرف الكيفية، أو الماهية فقد كذب، ومن زعم أنه يعرف الماهية ولا يعرف الكيفية فقد كذب، ومن زعم أنه يعرف الكيفية ولا يعرف الماهية فقد كذب أيضاً.
وزعم بعض من يجهل الحقائق أنه يعلم معنى ما تعلق بذات الله تعالى! وأن هذا مدرك معروف من لغة العرب!
¥