وقد ذهب بعض التربويين والنفسانيين إلى أن أبرز أسباب الضحك هو عدم الانسجام بين الفرد والمجتمع،ومن هذا التباين والنشوز بينهما ينشأ الموقف الضاحك،وكأن الضحك قصاص له لتصلبه وعدم تكيفه وانسجامه،ويضربون لذلك مثالاً بأننا لو رأينا شخصاً ركض في الشارع فتعثر وسقط فإننا سنضحك،لكن:ما سبب هذا الضحك؟ إن مجرد وقوعه على الأرض ليس هو سبب الضحك،بل لأن وقوعه كان لا إرادياً،وكان عليه أن ينتبه،أو أن سرعته أو أي سبب آخر كان العامل الذي أوقعه،لإن عدم تكيفه دفعنا للضحك منه قصاصاً لفقدانه الروح الجماعية 0هكذا يقول بعض النفسانيين،وقد لا نتفق معهم في هذا التحليل 0
عفواً على إطالة هذه المقدمة لهذا الموضوع الذي أحببت أن أثيره هنا لسب مهم عندي وهوأني:
لاحظت في كثير من الأحيان وفي عدة بلاد عربية وغير عربية نظرة تكاد تكون "سوداء " وإن لم تكن فهي قطعاً "حولاء " لطالب العلم الشرعي،فهو عند غالبية الناس:رجل "مكفهرّ" "مقطّب " متشدّد"،ولا أقول "متزمّت " لأن التزمت في اللغة يطلق على المعنيين المتضادين:التشدد و التساهل،والثاني ليس هو مراد الناس في وصفهم لبعض طلاب العلم) ومن نظرتهم أيضاً أنه:" لا يمرح "بالراء والزاي ولا "ينكت " وأن النكتة" عنده "حرام " وعلى أقل تقدير فهي " مكروهة" وإن تساهل فيها حكم عليها بأنها " غير مستحبة " إلى غير ذلك من الأوصاف التي أعرفها وغيرها كثير لا أعرفه ويعرفه غيري ممن يختلط مع الناس ويأكل معهم كما يأكلون ويشرب معهم أيضاً كما يشربون 0
وقبل أن أرمَى بسوء الظن الذي نحمد الله تعالى على خلوه من ملتقانا هذا المبارك إن شاء الله فإني أقول:
إن ما سأكتبه هنا هو في الغرض الأساس لبغية الاستفادة والتحليل وأخذ العبرة الخفية وليس للضحك فقط،ولذا أرجو ممن يقرأ "ظرافة أو فكاهة " مما سيجده أن يعقب عليها بما يراه مناسباً وذلك لاعتقادي الجازم أن علماءنا رحمهم الله كان لهم غرض "تربوي وتعليمي " من هذه النكت والظرافة وأبدأ بذكر الموقف الأول:
1 - قال الإمام ابن الجزري رحمه الله في كتابه "النشر في "القراءات" العشر ":
" بلغني عن شيخ شيوخنا الأستاذ بدر الدين محمد بن بصخان رحمه الله وكان كثير التندير (هذا الصواب كما في النسخ الخطية من النشر وليس كما في المطبوع:التدبير):أن شخصاً كان يجمع عليه فقرأ "تبت يدا أبي " ووقف وأخذ يعيدها حتى يستوفي مراتب المد،فقال له:يستأهل الذي بزر (كذا الصواب كما في النسخ الخطية غير نسخة واحدة وهو تصحيف وليس كما في المطبوع "أبرز") مثلك 0انتهى:2/ 204
فهذا الموقف مع أنه ظريف وفيه عند من يعرف طريقة الجمع فكاهة ويدعو للضحك،لكن في نفس الوقت فيه "فائدة " علمية وهي تنبيه الطالب على أن هذه الكلمة ليست محل وقف 0وهكذا 000
وسأحاول – إن شاء الله تسجيل كثير من ذلك بين الفينة والأخرى 0
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[06 Oct 2006, 05:19 م]ـ
أضحك الله سنك شيخنا المبارك ولقاك نضرة وسرورا
ـ[الجكني]ــــــــ[06 Oct 2006, 05:35 م]ـ
آمين أخي أبو صفوت،وجزاني وإياك بما صبرنا "جنة وحريراً "
ـ[الجكني]ــــــــ[07 Oct 2006, 03:41 م]ـ
وقفة اليوم:
قبل أن أذكر ها أريد أن أنبه على أن المقدمة التي كتبتها لهذا الموضوع جلها "ملخًص " من مقدمة كتاب "الفكاهة في الأدب الأندلسي " للدكتور: رياض قزيحة،لذا جرى التنويه أداء للأمانة العلمية 0
أما طرافة اليوم فهي نقل "موقفين ط لعالم قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله:"هو أبو زكريا يحي معين،شيخ المحدثين الحافظ الجهبذ أحد الأعلم روى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم 0
الموقف الأول:
قال جعفر بن أبي عثمان: كنا عند يحي بن معين فجاءه رجل مستعجل فقال: يا أبا زكريا حدثني بشيء أذكرك به،فقال يحي:اذكرني أنك سألتني أن أحدثك فلم أفعل 0
لعل الإمام أراد أن يشير إلى موقف تربوي وهو أن على السائل التريث وعدم الاستعجال عند سؤال العلماء 0
الموقف الثاني:
قال الحسين بن فهم:سمعت يحي يقول: كنت بمصر فرأيت جارية بيعت بألف دينار،ما رأيت أحسن منها،صلى الله عليها،فقلت: يا أبا زكريا: مثلك يقول هذا؟ قال:نعم،صلى الله عليها وعلى كل مليح 0
علّق الذهبي على هذا بقوله:هذه الحكاية محمولة على (الدعابة) من أبي زكريا،وتروى عنه بإسناد آخر 0
أترك التعليق للأخوة الأدباء الفضلاء 0
انظر:سير أعلام النبلاء:11/ 87
ـ[علال بوربيق]ــــــــ[07 Oct 2006, 05:52 م]ـ
هذا القسم من الظرافة والفكاهة يسمى عند سلفنا الصالح، وخصوصا المحدثين منهم بـ" الإحماض " وقد وردت هذه الكلمة على لسان تلامذة ابن عباس رضي الله عنهم فقد ورد أنهم كانوا إذا أكثروا من مذاكرة القرآن وتفسيره، والحديث وكتابته قالوا: يا ابن عباس أحمض لنا قليلا. " فيسرد لهم من القصص ما فيه فكاهة وظرافة ليذهب عنهم الملل والضجر وفي كتب الحديث والتراجم والسير الكثير من هذا، وقد اخترت هذه القصة لتكون عبرة لمن يطلبون علمهم من الكتب دون الجلوس إلى الشيوخ وثني الركب أمامهم
ذكرالإمام الخطيب البغدادي في كتابه " الجامع " نقلا عن الإمام الدارقطني في كتابه " التصحيف ّ أن رجلا حمل كتابا من كتب الحديث فقرأ على الحاضرين " حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عن جبريل عن رب العالمين عن رجل " فصاحوا به: " ويحك من ذا الذي يحق له أن يكون شيخا لله؟!!! " فنظروا في كتابه فوجدوا أن: " عز وجل " تصحفت فصارت: " عن رجل " "
¥