3 - الاجتهاد في أول مخلوقات الله عز وجل: ولا يخلو قولهِ: (أول ما خلق الله القلم ... ) إما أن يكون جملة أو جملتين. فإن كان جملة وهو الصحيح كان معناه أنه عند أول خلقه قال له اكتب، كما في اللفظ (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب) بنصب "أول" والقلم، وإن كان جملتين وهو مروى برفع "أول والقلم" فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق الحديثان، إذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم. وفي اللفظ الآخر لما خلق الله القلم قال له: اكتب ([ liv]). وسبب الخلاف كما يظهر يعود إلى ناحية الإعراب والى أن هذا النص جملة أو جملتين.
4 - الاجتهاد في صفة علو الله عز وجل: يرى ابن تيمية أن الاجتهاد منه الصواب ومنه الخطأ وفي ذلك يقول وكذلك كثير ممن يتنازعون في أن الله في السماء ومقصو دهم بان الله في السماء أو ليس في السماء فالمثبتة تطلق القول بأن الله في السماء كما جاءت به النصوص ودلت عليه بمعنى انه فوق السماوات على عرشه بائن عن خلقه. وآخرون ينفون القول بان الله في السماء ومقصودهم أن السماء لا تحويه ولا تحصره ولا تقله ولا ريب أن هذا المعنى صحيح فان الله لا تحصره مخلوقاته ثم قال ولكن هؤلاء أخطئوا في نفي اللفظ الّذي جاء به الكتاب والسنة وفي توهم أن إطلاقه دال على معنى فاسد ([ lv]).
5- الاجتهاد في معنى صفة: " وجه الله عز وجل ": فقد اجتهد الصحابة والتابعون في تفسير قوله تعالى:) ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ((115: البقرة) فعن ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته ويذكر أن رسول الله r كان يفعل ذلك ويتأول الآية ([ lvi])) فأينما تولوا فثم وجه الله (. (115: البقرة).
ونقل ابن كثير عن ابن عباس -رضي الله عنهما– في قوله تعالى:) فأينما تولوا فثم وجه الله ((115: البقرة) أن معناه: قبلة الله، أينما توجهت شرقا أو غربا، وقال مجاهد: فأينما تولوا فثم وجه الله: حيث ما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة ([ lvii]).
وكما اختلف الصحابة في معنى الوجه في الآية الكريمة، اختلف من بعدهم التابعون، قال الترمذي: ويروى عن مجاهد في هذه الآية،) فأينما تولوا فثم وجه الله ((115: البقرة) قال: فثم قبلة الله، وقال حدثنا بذلك أبو كريب، حدثنا وكيع عن النضر بن عربي عن مجاهد بهذا ([ lviii]).
ونقل عن طائفة أخرى منهم عامر بن ربيعة عن أبيه الصحابي، وعن حماد عن إبراهيم النخعي أن الوجه هنا بمعنى القبلة ([ lix]).
ونقل الرأي الثاني: أن " فثم وجه الله " أي: فثم الله تبارك وتعالى، وقال آخرون: عني بالوجه ذا الوجه ([ lx])
وظاهر من هذا الخلاف أن منهم من حملها على الحقيقة ومنهم من حملها على المجاز ثم اختلفوا في تأويلها على آراء.
6 - الاجتهاد في حقيقة الكرسي لله عز وجل: فقد اجتهد الصحابة في معنى قوله تعالى:) وسع كرسيه السماوات والأرض ((255: البقرة) فاختلفت الآراء في المسألة إلى الآراء التالية: فقال بعضهم: أنه الكرسي علم الله، وذهب آخرون إلى أن الكرسي موضع القدمين، وذهب آخرون إلى أن الكرسي هو العرش نفسه، فذهب على القول الأول من الصحابة ابن عباس – رضي الله عنهما – وابن جبير من التابعين، وذهب إلى القول الثاني: أبو موسى الأشعري والسّدي وطائفة من السلف، وإلى الرأي الثالث: الحسن البصري، نقل هذه الأقوال الطبري وعقب عليها: ولكل من هذه الأقوال وجه ومذهب ثم مال هو إلى تأويل الكرسي بالعلم ([ lxi]).
ثانيا: النبوات:
1 - الاجتهاد في حقيقة الرسل هل هم من الإنس فقط أم من الإنس والجن معا: فمنهم من ذهب إلى انهم من الإنس والجن وهو ما رواه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم لقوله تعالى:) يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ((130: الأنعام) وقال مجاهد وغيره من السلف والخلف، الرسل من الإنس فقط، وليس من الجن رسول،، وقال ابن عباس الرسل من بني آدم ومن الجن نذر ([ lxii]).
وسبب الخلاف في هذه المسالة أن من حمل الآية على عممومها فقد ذهب إلى أن الله يرسل الرسل من الإنس والجن ومن حملها على وجه التخصيص فقد ذهب إلى أن الرسل من الإنس فقط، وفهم الآية السابقة على مثل قول الله تعالى:) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ((22: الرحمن) والمراد من أحدهما ([ lxiii]).
¥