تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذا كان العلماء قد أقروا بالاجتهاد كما بينا في المطلب السابق في فروع الاعتقاد دون الأصول من حيث التصور فإن الاجتهاد والاختلاف قد وقعا بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء، وسأورد بعض الأمثلة في فروع الاعتقاد الثلاثة في الإلهيات والنبوات والسمعيات.

أولا: الإلهيات:

1 - الاجتهاد في رؤية النبي r لله عز وجل في معراجه إلى السماء: فقد حكى القاضي عياض في كتابه "الشفا" اختلاف الصحابة ومن بعدهم في رؤيته r، وإنكار عائشة رضي الله عنها أن يكون r رأى ربه بعين رأسه، وإنها قالت لمسروق حين سألها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب ([ xlvi]).

ثم قال: وقال جماعة بقول عائشة رضي الله عنها، وهو المشهور عن ابن مسعود وأبي هريرة واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه r رآه بعينه، وروى عطاء عنه: إنه رآه بقلبه. ثم ذكر أقوالاً وفوائد، ثم قال: وأما وجوبه لنبينا r والقول بأنه رآه بعينه. فليس فيه قاطع ولا نص، والمعول فيه على آيتي النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن.

وهذا القول الّذي قاله القاضي عياض رحمه الله هو الحق، فإن الرؤية في الدنيا ممكنة، إذ لو لم تكن ممكنة لما سألها موسى u، لكن لم يرد نص بأنه r رأى ربه بعين رأسه، بل ورد ما يدل على نفي الرؤية، وهو ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر t قال: "سألت رسول الله r هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه" وفي رواية: "رأيت نوراً".

وقد روى مسلم أيضاً عن أبي موسى الأشعري t أنه قال: "قام فينا رسول الله r بخمس كلمات، فقال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور) وفي رواية: (النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) ([ xlvii]) فيكون -والله أعلم- معنى قولهِ: لأبي ذر (رأيت نوراً) ([ xlviii]): أنه رأى الحجاب، ومعنى قولهِ: (نور أنّى أراه) ([ xlix]): النور الّذي هو الحجاب يمنع من رؤيته، فأنّى أراه؟ أي فكيف والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته فهذا صريح في نفي الرؤية، والله أعلم ([ l]).

وقد تقدم ذكر اختلاف الصحابة في رؤيته r ربه عز وجل بعين رأسه، وأن الصحيح أنه رآه بقلبه، ولم يره بعين رأسه.

وقولهِ:) ما كذب الفؤاد ما رأى ((11: النجم)) .... ولقد رآه نزلة أخرى ((13: النجم) صح عن النبي r أن هذا المرئي جبرائيل، رآه مرتين على صورته التي خلق عليها.

وأما قوله تعالى في سورة النجم:) ثم دنى فتدلى ((8: النجم) فهو غير الدنو والتدلي المذكورين في قصة الإسراء، فإن الّذي في سورة النجم هو دنو جبرائيل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما فإنه قال:) علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى ((5 - 8 النجم) فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى، وأما الدنو والتدلي الّذي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تعالى وتدليه. وأما الّذي في سورة النجم أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، فهذا هو جبرائيل رآه مرتين مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى ([ li]).

2- الاجتهاد في جواز الإقسام على الله عز وجل: إن كان مراده الإقسام على الله بحق فلان فذلك محذور أيضاً لأن الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، فكيف على الخالق وقد قال r ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) ([ lii]) ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه y يكره أن يقول الداعي: "أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام" ونحو ذلك حتى كره أبو حنيفة ومحمد أن يقول الرجل: "اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك" ولم يكرهه أبو يوسف لما بلغه الأثر فيه، وتارة يقول بجاه فلان عندكَ أو يقول نتوسل إليكَ بأنبيائك ورسلك وأوليائك، ومراده لأن فلاناً عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعانا ([ liii]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير