تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(9) عالم يحاضر في جمع، ثم بعد الفراغ من محاضرته يتوجه ذلك الجمع إلى المسجد لأداء الصلاة، وبعد الفراغ يفاجأ الجمع بمن يقوم مندداً بهذا العالم مبيناً مساوئه، في زعمه، فيتأثر ذلك العالم ويبكي، فيقوم عالم آخر ليدافع، فيكاد ذلك الاشتباك يفسد الجو العلمي الإيماني الذي عاشه ذلك الجمع المدهوش بما حدث لشيخه.

(10) شاب في مقتبل العمر يحضر محاضرة لشيخ معروف، فيسأل ذلك الشيخ بعد نهاية المحاضرة سؤالاً في القضاء والقدر، فيجيب الشيخ بما قرره أهل السنة والجماعة في هذا، فما كان من ذلك الشاب إلا أن قام في وسط الجمع ليعلن أنه لم يفهم جواب الشيخ، فأعاد الشيخ تقريره للمسألة، ففوجئ الحاضرون بالشاب يقرر أنه لم يفهم المسألة لأن الشيخ لم يقرر مذهب أهل السنة والجماعة فيها، ولم يشرحها بطريقة الشيخ الفلاني.

والشاب على الحقيقة، لم يفهم المسألة، وإنما أساء الأدب في الخطاب، والمسألة أكبر منه.

(11) رجل التزم منذ مدة وجيزة، فيأتي به الثناء الكاذب والتعالم إلى موقع يحاسب فيه أئمة وخطباء ويقوِّمهم، وبعضهم قد التزم الإسلام قبله بثلاثين سنة، فيكتب فيهم تقاريره بأنهم مبتدعة أو ضُلال أو جهلة، وهو، المسكين، لا يدري بأنه جاهل قد استدرج إلى هذه الهوة السحيقة، فنكب به عدد من الأئمة أولي الفضل، ممن أجَّلوا محاسبته حتى يمثلوا معه أمام ملك الملوك سبحانه.

(12) رجل من المتعالمين قد حقق بعض المخطوطات وصنف بعض التصانيف، اعتاد فيها أن يتناول علماء الأمة الذين مضوا باللمز والإساءة، فيصف هذا بأن عقيدته فاسدة جداً، وآخر بأنه جهمي جلد، وآخر بأنه بدت منه الزندقة، أو تجده يدعو على العلماء، أو يمتنع من الترحم عليهم بدعوى أنهم أهل بدع، أو يقلل من شأنهم، والخطير في هذا الأمر أن علماء الأمة وعقلاءها لم يحرِّكوا ساكناً للحد من سفاهة هذا الرجل وقلة أدبه والتقليل من خطره على النشء، إذ هو، كما يُذكر، قدوة لبعض جهلائهم وأغرارهم.

كانت تلك بعض الصور التي لا يستطيع القلب أن يسترسل في بيانها وجلب المزيد منها، ولولا الحاجة إلى التنبيه عليها بذكرها ما أتيت بها، لكني أزعم أن هذا الخلاف المتأجج الموجود في الساحة اليوم أدى إلى نتيجة سيئة وهي تأخير الصحوة عن بلوغ آمالها وأغراضها وزرع في الأمة بذور الفراق المذموم، والإحن التي تشتعل بها القلوب والصدور، والله المستعان.

المبحث الرابع

المآسي المترتبة على الفرقة السياسية

وهو بسبب ما كان من استئثار بعض الحكام بجهته أو مدينته، ورضاه بها عن الاجتماع الإسلامي، والأدهى من ذلك والأمرّ أن صار بعض الحكام يكيد للآخر، ويرضى أن يخدش دينه بمعاونة الكافرين على أخيه المسلم، وهذا من المصائب والدواهي التي ابتليت بها الأمة الإسلامية منذ تسعة قرون إلى الآن، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تكاد تنتهي، لكن أجتزئ منها قديماً ما حصل في الأندلس، وهو الذي بأيدينا فقدناه، وبمعاصينا نكبناه، والحديث فيما حصل فيه من فرقة بين حكامه يطول لكن قد يسأل سائل:

ألم يكن هناك دعاة لدين الله تعالى يحذرون الحكام المسلمين من الخلاف وينبهونهم إلى ما سيحل من العقاب؟ وهذا سؤال في محله، والجواب: بلى كان هناك دعاة إلى الاجتماع والاتحاد ولكن الحكام لم يكونوا متعاطفين مع تلك الدعوة؛ لأن معناها التنازل عما هم فيه من الترف والنعيم والتسليم لخليفة واحد لا يرضونه ولا يريدون حكمه .. هذا مع ما جُبلت عليه نفوسهم من حب المعاصي والخيانة وتذبذب الولاء والبراء.

وفي تاريخنا الإسلامي مثل مضيء لداعية من الدعاة لم يعجبه موقف الحكام الأندلسيين من سكوتهم على الخطر المنذر بالنهاية فـ "رفع صوته بالاحتساب، ومشى بين ملوك أهل الجزيرة لصلة ما انبتّ ([36]) من تلك الأسباب، فقام مقام مؤمن آل فرعون لو صادف أسماعاً واعية، بل نفخ في عظام ناخرة، وعطف على أطلال داثرة، بيد أنه ([37]) كلما وفد على ملك منهم في ظاهر أمره لقيه بالترحيب، وأجزل حظه في التأنيس والتقريب، وهو في الباطن يستجهل نزعته، ويستثقل طلعته، وما كان أفطن الفقيه رحمه الله بأمورهم، وأعلمه بتدبيرهم، لكنه كان يرجو حالاً تثوب ([38]) ومذنباً يتوب" ([39]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير