تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويؤجج هذا الخلاف أيضاً، بروز كثير من الناشئة الذين ليس عندهم العلم الكافي ولا الخبرة للتصدي لأمر عظيم ألا وهو التوجيه الإسلامي للمجتمع في كل مناحيه وليس في الفتاوى فحسب، فكان مما صنعه هؤلاء الناشئة أن ساهموا، بقوة، في تعميق الخلاف بين المسلمين بل إثارة جذور الخلاف الماضي الذي ظُن أنه قد فرغ من البحث فيه.

كل ذلك أدى إلى أن يفزع العلماء والمفكرون إلى كتابة عشرات الأبحاث التي عالجت، على الورق، كثيراً من الجوانب المهمة، ولا زالت تلك الأبحاث بحاجة إلى التطبيق العلمي الذي، بدون تشاؤم، يتعثر كثيراً نتيجة لعوامل كثيرة لا سبيل لذكرها في هذا البحث الموجز.

وإليك، أخي القارئ، بعض الوقائع المؤلمة التي تشي بما عليه مجتمعنا من سوء تطبيق، في أحيان كثيرة، لهذا الأدب الرفيع، أدب الخلاف، وغرضي من ذكر هذه الوقائع أن نعتبر بها فنعف عن أمثالها ونزجر من يجرؤ على ارتكابها:

(1) إمام في مسجد يتقدم ليؤمَّ الناس فيأتي شخص من خلفه ليعيقه عن التقدم بطريقة فظة، غليظة، ويأخذ مكانه إماماً للناس بحجة أنه أولى منه بالإمامة، علماً بأنه لا يحفظ القرآن، وذلك الإمام المنحَّى هو الحافظ المجيد، وقد تم ذلك نظراً للخلاف بينه وبين الإمام في بعض الجوانب التي ظن أنه لا يسوغ غفرانها والمسامحة فيها، أما حال المصلين وما سيحدثه ذلك التصرف فيهم وفيمن سمع الحادثة فذلك آخر اهتمامات ذلك الرجل المريض.

(2) رجل يشي باجتماع بريء لأحد التجمعات الإسلامية التي اختلف معها اختلافاً لا يؤديه إلى فعل ذلك شرعاً وعقلاً، ولكن أدب الخلاف اضمحل عنده ووصل إلى درك سحيق جعله يرتكب تلك الفعلة الدنيئة عرفاً، الآثمة شرعاً.

(3) رجل تتلمذ على شيخ، درس القرآن وبعض العلوم على يديه، فهو إذاً شيخه وأستاذه، فكان أن اختلف معه في مسألة، قد فرغ من أنه يسوغ فيها الخلاف، فما كان منه إلا أن نفض يديه من أستاذه وشيخه وأصبح همه الوحيد هو التشهير به عند الخاصة والعامة، بل سعى بكل جهده أن يخرج أستاذه من مسجده الذي هو إمامه فتكللت مساعيه، غير الحميدة، بالنجاح.

(4) اتفق مجموعة من صالحي الدعاة مع مدير مدرسة أن يتخذوا من مدرسته مركزاً صيفياً لاستيعاب الطلاب وحفظهم من الزيغ والملل، فما كان من فئة مريضة إلا أن حذرت المدير من إخوانهم الذين اختلفوا معهم في بعض الجوانب التي يسوغ فيها الخلاف، وخوَّفته عاقبة ضلال إخوانهم، وتأثيرهم السيئ على الطلاب في زعمهم وهو محض افتراء، فتوجس المدير خوفاً، ومعه كل الحق في الخوف على الطلاب الذين هم أمانة في عنقه يُسأل عنها يوم القيامة، وقام بسحب موافقته السابقة، وأوكل إدارة المركز لمن وشوا بإخوانهم ظلماً وبهتاناً، فهل رأيتم كيف يصل الأمر بمن فرَّط في مراعاة أدب الخلاف؟

(5) سئل رجل عن رأيه في الإمام الفلاني، فأبدى ما يفهم منه أنه مبتدع، وعندما سئل عن السبب قال: إنه قد (شمَّ) من حديثه البدعة! وكان هذا هو السبب لهذه الوصمة لا غير، وهذا الرجل المسؤول مقدَّم عند بعضهم مسموع الكلمة فيهم.

فبربكم هل سمعتم عن جرح مبني على مثل هذا الهراء؟

(6) دافع عالم فاضل عن فئة أخطأت بعض معالم المنهج الصحيح، ولكنها لا زالت في دائرة السنة والجماعة، وكان دفاعه ذلك بسبب أن واحداً من المشايخ أفرط في ذمهم إلى الغاية، فظن المفرط أن هذا العالم منهم فأكد له أنه على خلاف ذلك، وأنه لا يسلك مسلكهم، فلم يعتمد إلا ما ظنه وارتآه، فسلك في الوشاية بهذا الفاضل مسالك أدت إلى إبعاده عن مواقع قيادية في حياته العلمية.

(7) رجل تقدم لامتحان إلى لجنة من اللجان، فسئل: أين حفظت القرآن؟ ومن هم رفقتك؟ فلما أجاب ظن به أنه مبتدع لسوء ظن اللجنة بذلك المسجد وأهله، فحُرم من الغرض الذي أداه إلى المثول أمام تلك اللجنة الظالمة له بظنها الخاطئ فيه أنه من أهل البدع!

(8) وآخر تقدم لجامعة من الجامعات، فلما علم بعض إداريَّيها أنه مزكَّى من طرف فلان ظُنّ به أنه مبتدع، وحُرِم من القبول لأول الأمر، ولم يسمح له بالانتظام في سلك تلك الجامعة إلا بعد لأي شديد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير