تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"ثم بعد ذلك دعاهم (أي ملك غرناطة النصراني) إلى التنصير وأكرههم عليه وذلك في سنة أربع وتسعمائة فدخلوا في دينه كرهاً، وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبقَ من يقول فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله جهراً إلا من يقولها في قلبه أو خفية من الناس، وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان بعد ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وكم فيها من قلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعدومين، ومن قلوبهم تشتعل ودموعهم تسيل سيلاً غزيراً مدراراً، وينظرون أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان ويأكلون الخنزير ويشربون الخمر .. فلا يقدرون على منعهم .. ومن فعل ذلك عوقب أشد العقاب، فيالها من فجيعة ما أمرها، ومصيبة ما أعظمها" ([56]).

الافتراق السياسي في العصر الحديث:

وأما ما حصل من خلاف بين كثير من زعماء الأمة الإسلامية في العصر الحديث فهو أمر مؤسف، ومازال الخلاف مستحكماً بين بعضهم حتى حصل المحذور، وتقاتل بعضهم مع بعض، وأذهبوا شوكتهم، وأضعفوا قوتهم، وداخلهم العدو الكافر، ووطئ بأقدامه الدنسة عدداً من بلدانهم، وما كان ليطمع في هذا لولا الفرقة التي وقعت بين بعض حكامهم، وهذا العدو اليهودي الماكر يهدم البيوت، ويقتل الرجال والنساء والأطفال، وصيحاتهم تتعالى ولا مجيب، وما يحصل في الشيشان وكشمير والعراق من مآسٍ يشيب لهولها الولدان، كل ذلك لأسباب على رأسها الفرقة السياسية والخلاف المستحكم بين كثير من رؤوس الأمة الإسلامية، وقد كان ما خاف الصالحون أن يكون فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن أنكى وأشد الأمور على النفوس ما حدث في العصر الحديث من افتراق سياسي في أفغانستان بين الأحزاب المختلفة بعد سقوط كابول ودخول المجاهدين، وكانت الدولة الإسلامية قاب قوسين أو أدنى منهم، ولكنهم ضيعوها بسبب ما حدث بينهم من نزاع خطير أدى إلى قيام حرب حقيقية بينهم، والتراشق بآلاف الصواريخ، ومقتل آلاف الناس، كل ذلك بسبب السعي إلى الزعامة والتفرد، والمطامع الدنيوية، وهذا هو الذي أضاع المشروع الإسلامي الذي كان ينتظره مئات الملايين من المسلمين، وضحوا في سبيله بالغالي والنفيس على مدار اثنتي عشرة سنة أو أكثر من عمر الجهاد، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الخاتمة

وفيها النتائج والتوصيات

ها قد حان أوان ختم هذا البحث الموجز، وقد ظهر في هذا البحث جملة من النتائج أوجزها في الآتي:

(1) إن الخلاف الذي يؤدي إلى الافتراق لهو شر محض، ونكاية في هذه الأمة، وإذهاب لقوتها وريحها، وإطماع للأعداء فيها، وقد ظهر هذا جلياً في مبحث الافتراق السياسي.

(2) قد ترتب على هذا الخلاف ومن ثم الافتراق قتلٌ للعلماء والصلحاء، وإهانة للعباد والزهاد، وتشكيك في الدعاة والعاملين، وفي هذا شر مبين، وزرعٌ للإحن والبغضاء مبير.

(3) إن هذا الخلاف أدى إلى ضعف التوجه نحو الفتوحات ونشر الإسلام في العالمين؛ إذ انشغل صفوة الناس بتلك الفرقة المبيرة والمحنة الكبيرة، وانظر إلى هذا النص الثمين في وصف أثر مهم ترتب على خلاف الصحابة فيما بينهم ــ رضي الله عنهم ــ قاله أحد السلف:

"لما قتل عثمان ووقع الاختلاف لم يكن للناس غزوٌ حتى اجتمعوا على معاوية فأغزاهم مرات" ([57]).

فقد تُرك الجهاد والغزو مدة الفتنة، وتلك بلية عظيمة؛ إذ كان الفتح الإسلامي نشطاً ممتداً يصاحبه حماس كبير، حتى إذا وقعت الفتنة هدأ كل ذلك، وفاتنا ما هنالك.

(4) إن الافتراق يترك في نفوس الدعاة والعاملين والشباب المقبلين آثاراً من الإحباط مريرة، وشعوراً بالإخفاق وتلك جريرة وأية جريرة، ذلك أن هؤلاء إذا اطلعوا على ذلك الاختلاف ــ بَلْهَ المشاركة فيه ــ حصل لهم نوع من الامتعاض والشعور بتأخر النصر، وهذه بلية عظيمة؛ إذ على مثل هؤلاء بعد الله تعالى نعوّل، وفيهم نؤمِّل ما نؤمِّل.

(5) الخلاف في العصر الحديث ورث الخلاف الذي كان منتشراً زمان السلف والخلف، لكن لم يعد في هذا العصر خلاف مذاهب فقهية ــ إلاّ قليلاً ــ بل صار خلافاً بين الجماعات الإسلامية المتعددة التي ما قامت كلها إلا لنصرة الإسلام! فهذه مفارقة عجيبة ومناقضة غريبة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير