تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقوله في هذه الآية (وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ... ) الآية: لفظ عام، في جميع المترفين، من جميع القرى، أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم: (إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)، وتبجحوا بأموالهم وأولادهم، والآيات بمثل ذلك كثيرة ...

وهذا القول الصحيح في الآية جارٍ على الأسلوب العربي المألوف، من قولهم: " أمرتُه فعصاني "، أي: أمرته بالطاعة فعصى، وليس المعنى: أمرته بالعصيان، كما لا يخفى.

القول الثاني في الآية هو: أن الأمر في قوله (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) أمرٌ كوني قدري، أي: قدَّرنا عليهم ذلك، وسخرناهم له؛ لأن كلاًّ ميسرٌ لما خُلق له، والأمر الكوني القدري كقوله (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالْبَصَرِ)، وقوله: (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ)، وقوله (أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً)، وقوله (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ).

القول الثالث في الآية: أن (أَمَرْنَا) بمعنى: أَكْثرنا، أي: أكثرنا مترفيها، ففسقوا.

وقال أبو عبيدة: (أَمْرُنَا) بمعنى: أكثرنا، لغة فصيحة، كآمرنا، بالمد.

وقد علمتَ أن التحقيق الذي دل عليه القرآن: أنَّ معنى الآية: أمَرْنا مترفيها بالطاعة فعصوا أمْرَنا، فوجب عليهم الوعيد، فأهلكناهم، كما تقدم إيضاحه.

*تنبيه *:

في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، وهو أن يقال: إن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا) مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع، المترفين وغيرهم، في قوله (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) يعني: القرية، ولم يستثن منها غير المترفين؟

*والجواب من وجهين *:

الأول: أن غير المترفين تبع لهم، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم لأن غيرهم تبع لهم، كما قال تعالى: (وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ)، وكقوله (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ)، وقوله: (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا)، وقوله تعالى: (وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَىْءٍ)، وقوله: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ) إلى غير ذلك من الآيات.

الوجه الثاني: أن بعضهم إن عصى الله، وبغى، وطغى، ولم ينههم الآخرون: فإن الهلاك يعم الجميع، كما قال تعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً)، وفي الصحيح من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنها لما سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقتربْ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت له: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا كثر الخبث).

" أضواء البيان " (3/ 75 – 79) باختصار.

وبه يتبين أنه لا يتعلق بتلك الآية لتشكيك الناس في أمر دينهم، أو الطعن في كتاب ربهم، إلا جاهل بلغة العرب، جاهل بكتاب الله، جاهل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

موقع الإسلام سؤال وجواب هنا ( http://islamqa.com/ar/ref/120342)

ـ[أبو العزائم]ــــــــ[26 - 12 - 2010, 08:53 م]ـ

سلام عليكم: (فهل الجمل بعدها (ففسقوا .. فحق .. فدمرناها) معطوفة عليها؟)

نعم.

ـ[عبق الياسمين]ــــــــ[27 - 12 - 2010, 04:04 م]ـ

شكرا جزيلا للجميع

زادكم الله علما ونفع بكم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير