تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تطويع الأساليب البلاغية لخدمة المعتقد في توجيه الآيات القرآنية]

ـ[قبة الديباج]ــــــــ[23 - 03 - 2007, 10:45 ص]ـ

موضوع قيم جدير بالقراءة، نقلته لكم من ملتقى أهل التفسير ..

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. أما بعد،

فإن أهل السنة والجماعة يتلقون عقيدتهم ويقررونها من نصوص الوحيين، معظمين لها، ومسلمين بها تسليماً مطلقاً، لا يعرضون عن شيء منها، ولا يعارضونها بشيء، فلم يكونوا يتلقون النصوص الشرعية ومعهم مقررات وأصول عقلية سابقة يحاكمون النصوص إليها، ملتزمين بقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ... ) الآية [الحجرات:1]، وإنما هم يجعلون الكتاب والسنة وما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ميزاناً توزن به الأقوال والأفعال والاعتقادات والمذاهب والفرق، ولذا جاءت توجيهاتهم للنصوص موافقة لمراد الشرع، كما أنها موافقة لأساليب العرب في كلامها.

أما المبتدعة فإنهم وضعوا أصولاً عقلية، ثم نظروا في النصوص الشرعية، فما وافق تلك الأصول أخذوا به، وما خالفها أوّلوه أو ردوه بأية حجة، ولقد وجدوا في الأساليب البلاغية ما ظنوا أنه يخدمهم وينفعهم، فحاول هؤلاء قسر هذه الأساليب البلاغية وتطويعها لتصحيح الأصول العقدية، والرد على المخالفين، سواء كان ذلك ابتداءً استدلالاً لصحة المذهب، أو تخلصاً من الشبهات والإيرادات عليه، حيث كان منها ورود بعض النصوص من القرآن والسنة تخالف ما ذهبوا إليه من آراء ومعتقدات، فاستعانوا ببعض الأساليب كالمجاز لتأويل هذه الظواهر وتطويعها قسراً لمذاهبهم، كما قال المرتضى الرافضي في أماليه [غرر الفوائد:2/ 399]: (إن القرآن قد ورد بما لا يجوز على الله تعالى من الحركة والانتقال، كقوله تعالى: (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) [الفجر:22]، وقوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) [البقرة:210]، ولا بد مع وضوح الأدلة على أن الله تعالى ليس بجسم، واستحالة الانتقال عليه، الذي لا يجوز إلا على الأجسام؛ من تأول هذه الظواهر، والعدول عما يقتضيه صريح ألفاظها، قرب التأويل أو بعد).

وقال القاضي عبد الجبار المعتزلي [المغني:16/ 395] بعد أن قرر أن القرآن لا تعلم صحة دلالته على المعتقد إلا بعد العلم به –أي: بالمعتقد-: (وإذا وجب تقدم ما ذكرناه من المعرفة، ليصح أن يعرف أن كلامه تعالى حق ودلالة؛ فلا بد أن يعرض ما في كتاب الله من الآيات الواردة في العدل والتوحيد على ما تقدم له من العلم، فما وافقه حمله على ظاهره، وما خالف الظاهر حمله على المجاز، وإلا كان الفرع ناقضاً للأصل، ولا يمكن في كون كلامه تعالى دلالة سوى هذه الطريقة)، وقال يحيى العلوي [الطراز:401] بعد أن ذكر جملة من آيات الصفات ممثلاً بها على التخييل: (إلى غير ذلك من الآيات الموهمة بظاهرها للأعضاء والجوارح، فإذا قام البرهان العقلي على استحالة هذه الأعضاء على الله تعالى… فلا بد من تأويل هذه الظواهر على ما تكون موافقة للعقل، وإعطاء للبلاغة حقها لأن مخالفة العقل غير محتملة، وحمل الكلام على غير ظاهره محتمل، وتأويل المحتمل أحق من تأويل غير المحتمل، فلهذا وجب تأويلها).

وذكر ابن عميرة [التنبيهات/113] أن من معاني البلاغة: (تحقيق العقائد الإلهية)، وقال الشريف الجرجاني الماتريدي [شرح المواقف8/ 114] بعد أن ناقش مسألة من مسائل الصفات: (ومن كان له رسوخ قدم في علم البيان حمل أكثر ما ذكر من الآيات والأحاديث المتشابهة على التمثيل والتصوير، وبعضها على الكناية، وبعضها على المجاز).

ولا أدل على هذا من صنيع ابن جني المعتزلي، حيث أفرد باباً في كتابه الخصائص [3/ 245]، وعنونه بقوله: (باب فيما يؤمنه علم العربية من المعتقدات الدينية)، وقال في فضله: (اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية، ولا وراءه من نهاية، وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها، وحاد عن الطريقة المثلى إليها، فإنما استهواه واستخف حلمه ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة)، ثم قال: (وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جار على المجاز، وقلما يخرج الشيء منها على الحقيقة… فلما كانت كذلك، وكان القوم الذين خوطبوا بها أعرف الناس بسعة مذاهبها، وانتشار

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير