[الاختيار في الدراسات الأسلوبية الحديثة]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[03 - 08 - 2007, 10:53 ص]ـ
يكاد يكون تعريف الاسلوب بأنه اختيار من التعريفات الشائعة والمعروفة في الدراسات النقدية الحديثة، إذ إن معالجة الأسلوب على أنه اختيار احتلت مساحات واسعة من مناقشات الدراسة الأسلوبية. وقد شاع في الدراسة الأسلوبية أن نظام اللغة يقدم للمبدع إمكانات هائلة، له أن يستخدمها للتعبير عن حالة واحدة أو موقف معين، وهذا يعني أن للمبدع الحرية في اختيار ما يريد ما دام ما يختار يخدم رؤيته وتصوره وموقفه، ولكن هذا الأمر لم يبق مجرد عموميات وإنما بدت هناك تحديدات لعملية الاختيار في الدراسات الأسلوبية وقد ميزت خمسة مستويات للاختيار هي:
اختيار الغرض من الحديث.
اختيار موضوع الحديث
اختيار الرمز اللغوي
الاختيار النحوي
الاختيار الأسلوبي
لا مندوحة أن الاختيار يحتكم إلى عنصرين: الأول ذاتي والثاني موضوعي، وهذا يستنتج من قول أحمد حسن الزيات عندما يعرف الاسلوب بأنه" طريقة الكاتب أو الشاعر الخاصة في اختيار الألفاظ وتأليف الكلام، وهذه الطريقة فضلا عن اختلافها في الكتاب والشعراء تختلف في الكاتب أو الشاعر نفسه باختلاف الفن الذي يعالجه، والموضوع الذي يكتبه، والشخص الذي يتكلم بلسانه أو يتكلم عنه"
يبرز من خلال هذه المناقشات أن عملية الاختيار عملية أساسية مهما اختلفت تأويلات النقاد ومواقفهم منها، لأنهم يجمعون في النهاية على أهمية الاختيار في الدراسات الأسلوبية. فالاختيار ناتج أساس قاعدة التماثل والمشابهة والمغايرة والترادف والطباق بينما يعتمد التأليف وبناء المتوالية على المجاورة أو ما أصبح يعرف بمحور الاستبدال ومحور التركيب.
ومما تجدر الإشارة إليه أن اختيار كلمة واحدة لوصف الحالة نفسها ترتبط ارتباطا كبيرا بظاهرة الترادف، وهي ظاهرة متفشية للكلمة في اللغة العربية بشكل كبير إذ إن أمام المبدع كلمات كثيرة يمكن أن يستخدم منها ما يريد. لكن انتقاءه للكلمة دون غيرها يبرز إيحاء الكلمة وظلالها الخاص بها، فهناك فروق وإيحاءات تحملها كل كلمة عن الأخرى التي ترادفها. ومن الأمثلة على ذلك قول سلامة بن جندل:
أودى الشباب حميداً ذو التعاجيب= أودى وذلك شأو غيرُ مطلوب
ولَّى حثيثاً وهذا الشيب يطلبه= لو كان يدركه ركض اليعاقيب
أودى الشباب الذي مجد عواقبه= فيه نلذ ولا لذات للشيب
الكلمة المحورية في هذه الكلمات هي كلمة" أودى" التي كررها الشاعر ثلاث مرات فلماذا اختار الشاعر هذه الكلمة دون غيرها مع أن اللغة تتيح له امكانيات كثيرة للاختيار؟ يبدو أن الشاعريرى أن هذه الكلمة هي الأقدر على التعبير عن تجربته ورؤيته، فاختيار الشاعركلمة دون غيرها له دلالة أكيدة على أهمية هذه الكلمة.
لقد كان بمقدور سلامة بن جندل أن ينتقي كلمات أخرى مرادفة لكلمة " أودى" التي جعلها الكلمة المحورية في الأبيات لكنه آثر كلمة" أودى"؛ لأن وقع هذه الكلمة ربما يكون أكثر من الكلمات الأخرى المرادفة لها، ولذلك تصبح كلمة" أودى" هي كلمة مختارة ومنتقاة من بين ملرادفاتها،؛ لأن الشاعر يختار بطريقة واعية الكلمة الأكثر قدرة على التعبير عن تجربته.
ومن ذلك أيضاً قول الخنساء في أخيها " صخر":
وإن صخراً لوالينا وسيدنا= وإن صخرا إذا نشتو لنحارُ
وإن صخراً لتأتم الهداة به= كأنه علم في رأسه نار
لقد اختارت الخنساء في هذه الأبيات " إن صخراً"؛ لأنها الأقدر على التعبير عن الموقف الشعوري والانفعالي فالشاعرة استخدمت التكرار لتعبر عن موقفها إزاء موت أخيها.
ومن ذلك قول محمود درويش:
فيا وطن الأنبياء ... تكامل
ويا وطن الزارعين ... تكامل
ويا وطن الشهداء ... تكامل
ويا وطن الضائعين ... تكامل
نلاحظ أن هذا التكرار لم يكن اختيار عشوائيا عند محمود درويش، بل هو اختيار وانتقاء ينبعث في النص الشاعري ليملاه بالدلالة والقوة ... وهكذا يقوم التكرار الصوتي والتوتر الإيقاعي بمهمة الكشف عن القوة الخفية في الكلمة التي تم اختيارها وانتقاؤها من الشاعر.
ومن ذلك قول إبراهيم نصر الله:
يا أبي
بعد سبع وعشرين من سنوات الدماء
بعد سبع وعشرين أنشودةً
بعد أن كبر العمر في ّ
وللموضوع صلة بإذن الله
ـ[هيثم محمد]ــــــــ[04 - 08 - 2007, 01:44 ص]ـ
بوركت أناملك أستاذ محمد
ـ[زينب محمد]ــــــــ[04 - 08 - 2007, 03:16 ص]ـ
أحسنت أخي، وبارك الله فيك ..
ولكن هل تشرح مشكورًا هذه العبارة ..
فالاختيار ناتج أساس قاعدة التماثل والمشابهة والمغايرة والترادف والطباق بينما يعتمد التأليف وبناء المتوالية على المجاورة أو ما أصبح يعرف بمحور الاستبدال ومحور التركيب.
قد كنت فمهت من كلام سابق لك عن الأسلوبية، أنها تبحث في دلالات الرموز، فما هي الرموز؟ هل هي الكلمات الغامظة، أم هو التكرار اللفظي ..
وهل نستطيع تطبيق الأسلوبية على القصائد القديمة؟
جزاك الله خيرًا ..
واعتذر عن الإطالة، ولعل صدرك يتسع لتلميذ يسعى ليتعلم ..
¥