[البلاغة والتحدي والإعجاز]
ـ[سليم]ــــــــ[02 - 06 - 2007, 04:24 م]ـ
السلام عليكم
البلاغة والتحدي والإعجاز: هذه ثلاثة امور مرتبطة ببعضها البعض ,وللوقوف على معانيها وإرتباطها يجب ان نقف عليها كل على حدى:
البلاغة هي البلوغ.
والبلاغ، الأنتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى، مكاناً كان أو زماناً أو أمراً من الأمور المقدرة.
وربما يُعبر به أيضاً عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه، يقال: الدنيا بلاغ؛ لأنها تُؤديك إلى الأخرة.
ورجلٌ بَلْغٌ وِبلْغٌ وبليغٌ: حسن الكلام فصيحه، يبلغ بعبارة لسانه كُنْهَ ما في قلبه، والجمع بُلغاء.
وسمي الكلام بليغاً؛ لأنه يكون قد بلغ الأوصاف اللفظية والمعنوية وانتهى إليها.
وينتهي معنى البلاغة في اللغة إلى معنيين:
الأول: الوصول والإنتهاء. قال تعالى: (ولّما بلغ اشدَّه) أي وصل.
الثاني: الحُسن والجودة.
أما البلاغة في اصطلاح البلاغيين:
البلاغة: مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
ويعنون بالمقتضى: الإعتبار الملائم، أو ما يتطلبه الواقع، أو ما يستدعيه الأمر، وهوـ المقتضى ــ الهيئة المخصوصة التي نُصدرُ عليها كلامنا، والصورة المحددة التي تَحْكُمُ نُطقَنا. ويقصدون بالحال ــ ها هنا ــ واقع المخاطب أو السامع، أو متلقي الكلام.
والعرب قوم قد برعوا ونبغوا وتألقوا في البلاغة وصياغة اللفظ وتطويعه حتى أصبح بسيط كلامهم نظمًا يبلغ مبلغه, وأسلوبًا له رونقه ووقعه في الآذن, وفنونًا يسجعون فيها وينظمون شعرًا, فأقاموا أسواقًاً يتبارون فيها ويتسابقون شعرًا ونثرًا.
وأكثر ما ظهرت البلاغة في كلامهم في الشعر ,وبزغ جم من الشعراء في الجاهلية والإسلام ممن يُشهد لهم في طول الباع وملكة الكلمة ,كما وظهر خطباء لا يُشق لهم غبار في نظم الكلم ...
ومن الخطباء في الجاهلية شافع بن كليب الصدفي ... إسمعوا الى بلاغة كلامه وحسن نظمه عندما تكهن بقدوم سيد العالمين محمد عليه الصلاة والسلام:
قَدِمَ على تُبَّعٍ الآخِرِ ملكِ اليمن قبلَ خروجِهِ لقتال المدينة شافع بن كُليب الصَّدفيّ وكان كاهناً, فقال له تُبَّع هل تجد لقوم ملكاً يوازي ملكي, قال لا إلاّ مُلكَ غسّان
قال فهل تجد ملكاً يزيد عليه, قال أجِدُه لبارٍّ مبرور ورائدٍ بالقُهُور ووَصفٍ في الزَّبور فضِّلت أُمَّته في السُّفور يفرِج الظلَم بالنور أحمد النبي طوبى لأمّته حين يجئ أحد بني لُؤيّ ثم أحد بني قُصيّ.
فنظر تبع في الزبور فإذا هو يجد صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
وانصتوا لخطبة كعب بن لؤي:
اسمعوا وعُوا وتعلّموا تعلَموا وتفهّموا تفهَموا , ليل ساجٍ ونهار صاجٍ والأرض مِهاد والجبال أوتاد والأوّلون كاللآخرين كلّ ذلك إلى بلاء, فصِلوا أرحامكم وأصلحوا أحوالكم فهل رأيتُم من هلك رَجع أو ميتاً نُشِر, الدار أمامكم والظنّ خلاف ما تقولون, زَيِّنُوا حَرَمَكم وعظِّموه ولا تفارقوه فسيأتي له نبأٌ عظيم وسيخرج منه نبيٌ كريم, وتمسكوا به ,ثم قال شعرًا:
نهارٌ وليلٌ واختِلافُ حوادِثٍ= سواءٌ علينا حُلْوُها ومَريرُها
يَئوبانِ بالأحداثِ حتى تَأَوَّبا= وبالنِّعَمِ الضّافي علينا سُتورُها
صُروفٌ وأنباءٌ تَقَلَّبَ أهلُها= لها عُقَدٌ ما يستحيلُ مَريرُها
على غفلةٍ يأتي النَّبيُّ مُحَمَّد= فَيُخْبِرُ أخباراً صَدوقاً خبيرُها
ثم قال:
ياليتَني شاهدٌ فحواءَ دَعوَتِهِ= حين العشيرَةُ تبغي الحقَّ خِذلانا
فهذه نماذج من بلاغة العرب في الجاهلية قبل الإسلام, وإنما تدل على المرتبة العالية التي وصل اليها العرب في إتقان اللفظ وإنتقائه وحسن إيراده ... وهذه بلاغة يُشهد لها في العلو والسمو, ولكنها لا تصل بلاغة القرآن إيجازًا وتصويرًا, وإستعارة وتشبيهًا, و تلاؤم الكلمات والحروف, وتجانس الألفاظ وتصريف القصص والحوادث.
وأما التحدي: تحَدَّى الرجلَ تعمَّدَه، وتَحَدَّاه: باراه ونَازَعه الغَلَبَةَ، وهي الحُدَيَّا. وأَنا حُدَيَّاك في هذا الأَمر أَي ابْرُزْ لي فيه؛ قال عمرو بن كلثوم:
حُدَيَّا الناسِ كلِّهِمِ جَمِيعاً= مُقارَعَةً بَنِيهمْ عن بَنِينَا
¥