[الحروف]
ـ[هيثم محمد]ــــــــ[19 - 08 - 2007, 02:16 م]ـ
· لما كان القرآن من عند الله العليم الخبير جاء كلامه تبارك وتعالى معجزاً في أعلى درجات البلاغة, من أجل ذلك ما من حرف في القرآن إلا وقد جاء لمغزىً بلاغي يتناسب مع المعنى العام للسورة ويؤكد و يوضح المراد من الآية ويخدم السورة .. وإليك أمثلة على ذلك ..
1. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ) , تختص (إذا) بدخولها على المتيقن والكثير المتكرر بخلاف (إن) فإنها تدخل على المشكوك فيه والنادر .. فأتى القرآن الخالد بلفظ (إذا) في الوضوء لتكراره وكثرة أسبابه كالوضوء لصلاة الفرض, والوضوء لصلاة السنة, والوضوء لقراءة القرآن, وللبث في المسجد, وللتبرك به فإن الوضوء سلاح المؤمن, ولذكر الله, وللآذان ولمس المصحف, وغيرها من الأسباب .. من أجل ذلك آثر القرآن لفظ (إذا) في الوضوء وأتى بـ (إن) في الجنابة لقلة وقوعها بالنسبة للحدث الأصغر.
2. قال تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) , أتى في جانب الحسنة (إذا) لأن نعم الله على عباده كثيرة و مقطوع بها: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) , وأتى بـ (إن) في جانب السيئة – أي المصيبة والبلوى – لأنها قليلة الوقوع ومشكوك فيها إذا ما قورنت بنعم الله.
3. قال تعالى: (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ) , فقد جاءت الآية في جانب الحسنة بـ (إذا) الدالة على الكثرة والتحقيق تفيد كثرة تتابع الخيرات وتواردها على هؤلاء القوم (بني إسرائيل) وفي هذا تجسيد لما هم عليه من غفلة وجحود .. أما في جانب السيئة فلقد جاءت أداة الشرط (إن) الدالة على الشك والقلة.
4. قال تعالى: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) , قال القرآن العظيم (في تسع آيات) ولم يقل (مع تسع آيات) لأن الآية تقرر أن معجزة خروج يد موسى عليه السلام بيضاء من غير سوء واحدة من الآيات التسع التي أيد الله تبارك وتعالى بها موسى عليه السلام كما قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) , فإن جعلت (مع) بدلاً من (في) كانت الآيات عشر.
5. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً) , في قوله تعالى: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) , فالتعبير بـ (فيها) أبلغ من التعبير بـ (إليها) لأن (فيها) توحي بأن المهاجر في سبيل الله تكون الأرض غطاء له تحيط به فلا يراه احد من الظالمين, فاللفظ (فيها) أعطى هذا الإيحاء الجميل.
6. قال تعالى: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) , يريد السياق أن يوضح أن سفينة نوح كانت في خطر عظيم وسط هذه الأمواج المتلاطمة المرتفعة ولكن الله تعالى بقوته وقدرته نجّا نوحاً ومن معه. فانظر إلى دلالة الحرف (في) التي تدل على الظرفية أي أن سفينة نوح غطتها الأمواج من كل ناحية لكن قدرة الله تعالى هي التي نجت هذه السفينة من التحطم تحت ضربات هذه الأمواج العالية كالجبال.
¥