تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التعريض في القرآن]

ـ[هيثم محمد]ــــــــ[19 - 08 - 2007, 02:05 م]ـ

· التعريض: هو اللفظ الدال على الشيء عن طريق المفهوم لا بالوضع الحقيقى ولا بالمجازي.

· أو هو: المعنى المدلول عليه بالقرينة دون اللفظ ... أو هو: المعنى الحاصل عند اللفظ لا به .. أو هو: لفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره .. فإنك لو قلت لمن تتوقع صلته وعطاءه بغير طلب: والله إني لمحتاج وليس في يدي شيء, وأنا عريان والبرد قد آذاني, فهذا وأشباهه تعريض بالطلب وليس هذا اللفظ موضوعاً في مقابلة الطلب لا حقيقةً ولا مجازاً.

·التعريض أخفى من الكناية, لأن دلالة الكناية لفظية وضعية ودلالة التعريض من جهة المفهوم لا بالوضع الحقيقى ولا المجازي.

· والكناية تشمل لفظ المفرد والجملة, أما التعريض فلا يكون إلا في الجمل لأنه لا يفهم المعنى فيه من جهة الحقيقة ولا من جهة المجاز إنما يفهم من جهة التلويح والإشارة وذلك لا يستقل به اللفظ المفرد ولكن يحتاج في الدلالة عليه إلى اللفظ المركب.

·أمثلة من التعريض في القرآن الكريم ..

1. قال تعالى: (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) , لقد تضمنت مقولة سيدنا نوح عليه السلام في تلك الآية ثلاث جمل خبرية: إن ابني من أهلي, وإن وعدك الحق, وأنت أحكم الحاكمين .. وغني عن القول أنه عليه السلام لم يرد بتلك الجمل مجرد الإخبار بحقائق مضامينها, إذ هو يعلم حق العلم أنه يخاطب بها من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فما هو الغرض الذي حفزه إذن لسوق تلك المقولة؟ .. لقد توجه الأمر الإلهي إلى نوح عليه السلام في آية تسبق هذه الآية بآيات بأن يحمل أهله معه في السفينة: (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) , وبعد آية واحدة يوجهنا هذا الحوار اللاهث بين الأب عليه السلام وابنه: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ* قَالَ سآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) , ومغزى ذلك أن نوحاً عليه السلام حين ساق مقولته تلك كان يعرض السؤال أو مطلوب ما, يتوجه به إلى المولى جل شأنه .. أي أن هذه الجمل الثلاث التي تضمنتها تلك المقولة هى خبرية من حيث لفظها أو قالبها النحوي طلبية من حيث المعنى الذي تعرّض به .. هذا المعنى الذي آثرت الآية الكريمة التعريض به على التصريح (السؤال أو الطلب) , هو ما عوقب نوح عليه السلام في الآية التالية لها من أجله ونهاه ربه سبحانه وتعالى صراحة عن التشبث به أو تكراره: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) , وهو ما بادر عليه السلام في الآية اللاحقة لتلك الآية إلى الاستعاذة بالله من التعلق به: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) , ما حقيقة هذا السؤال؟ , ولماذا أوثر التعريض به على التصريح في الآية الكريمة؟ , والكلام كان تعريضاً بالسؤال عن السر في إغراق ابنه.

يقول الزمخشرى في ذلك عند تفسير قوله عز وجل: (وإن وعدك الحق) ,: إن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك في إنجازه والوفاء به وقد وعدتني أن تنجي أهلي فما بال ولدي وأنت أحكم الحاكمين, ويقول ابن كثير عن تفسير قوله سبحانه وتعالى: (قال رب إن ابني من اهلى): أي وقد وعدتني بنجاة أهلي ووعدك الحق الذي لا يُخلف فكيف غرق ولدى وأنت أحكم الحاكمين؟ , أما سر إيثار التعريض على التصريح في الآية الكريمة فهو الإشعار بمدى تأدب نوح عليه السلام ولطف توسله إلى خالقه .. فرغم تأجج عاطفة الإشفاق الأبوي على ابنه بين حناياه منعه حياؤه من التصريح بمطلبه أو بسؤاله من أجله وإنه لا يليق في الخطاب مع المولى عز وجل أن يقول (لماذا أغرقت ولدي وقد وعدتني قبل ذلك بنجاة أهلي؟) فمثل هذا الكلام لا يُتحدث به مع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير