تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[البلاغة العالية في آية المداينة]

ـ[محمد سعد]ــــــــ[03 - 08 - 2007, 11:08 ص]ـ

بلاغة الاستعارة في قوله (مسمى)

يرى الطاهر بن عاشور –رحمه الله – أن في كلمة (مسمى) استعارة تصريحية؛ حيث يقول: المسمى: حقيقته المميز باسم – يميزه عما يشابهه في جنسه أو نوعه ... والمسمى هنا مستعار للمُعَيَّن المحدود , وإنما يقصد تحديده بنهاية من الأزمان المعلومة عند الناس , فشبه ذلك بالتحديد بوضع الاسم , بجامع التعيين؛ إذ لا يمكن تمييزه عن أمثاله إلا بذلك , فأطلق عليه لفظ التسمية , ومنه قول الفقهاء: المهر المسمى؛ فالمعنى: أجل معين بنهايته).

ولعل هذه الاستعارة تعيدنا إلى بيان النبي –صلى الله عليه وسلم – في تحديد الأجل؛ حيث استعمل لفظاً آخر , ففي الحديث الصحيح: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم , ووزن معلوم , إلى أجل معلوم).

ولا شك أن كلمة (معلوم) مع موافقتها لما سبق في تحديد الأجل , إلا أن لفظ (مسمى) أكثر إيضاحاً؛ لأن العلم قد يتحصل عن غير نطق وتصريح , لكن الأجل المسمى لا يقال له (مسمى) إلا إذا صُرِّح به لفظاً وكتابة أيضاً؛ فتسمية الأجل أكثر جلاءً من مجرد العلم به , وهذا يشير إلى أن هذه المعاملات ينبغي أن تقوم على الشفافية والتصريح؛ حتى لا يتلاعب الشيطان بالعقول والقلوب.

أضف إلى هذا: أن (المعلوم) قد يكون على العموم , كما في نحو البيع بالأجل إلى الحصاد , أو دخول الشتاء , أو انتهاء الصيف.

أما المسمى , فإنه معلوم باليوم , والشهر , والساعة , وهذا يتناغم مع دلالة (إلى) السابقة , ثم إن الأجل في القرآن الكريم لم يوصف قط بلفظ (معلوم) , لكنه وصف بكلمة (مسمى) وذلك كما في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (الأنعام:2

وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأنعام:60).

وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد:2) وقوله تعالى: (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ... ) (الحج:5).

أما لفظ (معلوم) فإنه جاء وصفا ًفي القرآن الكريم لألفاظ مثل (الكتاب - القدر - يوم – رزق - مقام - حق - وقت .... إلخ) (62).

وهذا يشير إلى الاتساع في معنى اللفظة.

لكن يبقى سؤال: ما وجه استخدام النبي –صلى الله عليه وسلم – لهذا اللفظ (معلوم) مع الأجل , مع أن السياق سياق تحديد؟.

لعله من باب المشاكلة؛ أعني أنه لما قال: (فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم) قال (إلى أجل معلوم) ليشاكل ما سبق من الكلام.

كما أن في قوله تعالى: (إلى أجل مسمى) إدماج , والإدماج: (أن يضمَّّن كلام سيق لمعنى معنى آخر) (63). وفي الآية أدمج تشريع الأجل في تشريع التسجيل , وكتابة الديون , وهذا ضرب من الإيجاز الموحِي إلى مكانة الأجل في البناء الحاكم , والضابط للدَّين؛ فالأجل جزء ولبنة من هذا البناء. وأمر آخر , وهو أنه لو قيل: فاكتبوه , وأجلوا أجلاً , لَظُنَّ أن كتابة الدين مقصود بها المقدار فقط , ولظُن أيضاً إمكانية خلوّ العقد من تحديد الأجل , وهذا غير مراد – كما أفهم – لأن القصد إلى تضمين العقد موعد السداد , فهو جزء من العقد , وبند من بنوده , رتبت الكتابة عليه , وجاءت بعده لتشمله.

(منقول)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير