تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مرة أخرى - إلى من يهمه أمر البلاغة]

ـ[فصيحويه]ــــــــ[12 - 07 - 2007, 10:35 ص]ـ

تيسير البلاغة في كتب التراث

إعداد: د. بن عيسى باطاهر

الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية وآدابها

كلية الآداب والعلوم - جامعة الشارقة

مقدمة:

مرّ علمُ البلاغة بمراحل مختلفة إلى أن تحدّدت معالمه، واستُقرِئَت قواعده، وقد مثّلَ كلَّ مرحلة من هذه المراحل عددٌ من الدارسين المبرّزين الذين أسهموا في تأسيس العلم وتطويره، واجتهدوا في وضع النظريات والتصوّرات والمصطلحات التي تخصّه وتحدّه، وقد كانت أولى هذه المراحل تلك التي عُنيت بتسجيل الملحوظات، ومثّلها عددٌ من الأدباء والعلماء الأعلام منهم أبو عبيدة (208هـ)، والجاحظ (255هـ)، وابن قتيبة (276هـ) وغيرهم، وجاءت المرحلة الثانية التي اهتمت بوضع الدراسات والأبحاث ذات الطابع الأدبي والعلمي المميّز، وقد ظهر في رحابها عددٌ من الدارسين والنقاد البارعين، منهم من عُنيَ بدراسة الإعجاز القرآني مع السعي إلى الكشف عن خصائصه اللغوية من أمثال الرماني (386هـ)، والباقلاني (403هـ)، والخطّابي (388هـ)، ومنهم من عُني بدراسة الأدب بصورة عامة مثل قدامة بن جعفر (337هـ)، وعبد الله بن المعتز (296هـ)، وأبو هلال العسكري (395هـ)، ثمّ جاءت مرحلة الازدهار التي أفادت كثيرًا من الدراسات التي سبقتها، وأضافت إلى علم البلاغة نظرات جليلة، ونظريات جديدة كان لها الفضل في تأسيس هذا العلم وصياغته وتطوّره مضمونًا ومنهجًا وأسلوبًا، ومثّل هذه المرحلة خير تمثيل شيخ البلاغيين عبد القاهر الجرجاني (471 أو 474هـ)، وأمّا المرحلة الرابعة فقد كانت معنيةً بتحديد المصطلحات، وصياغة القواعد النهائية لهذا العلم، ومثّل هذه المرحلة خير تمثيل أبو يعقوب السكاكي (626هـ)، وتلميذه القزويني (739هـ)، ومع أنّ أغلب الدراسات استمرت بعد ذلك في السير على ما قرّره السّكاكيّ والقزويني، إلاّ أنّ هذه المرحلة عرفت بعضًا من العلماء المجدّدين الذين أضافوا إلى الدرس البلاغي من النظرات والأفكار ما لا يمكن إنكاره من أمثال ابن الأثير (637هـ)، وحازم القرطاجنّي (684هـ)، والعلوي (749هـ).

إنّ البحث في تطوّر علم البلاغة قد يوصل الباحث إلى تبني جملة من الآراء والرؤى بشأن تنوّع مناهج البلاغيين في تناول الدرس البلاغي عبر تلك المراحل، وسيلحظ أنّ مرحلة النظم التي مثّلها عبد القاهر الجرجاني هي محور الدراسات البلاغية التي جاءت بعد ذلك على الّتتالي، وهي الأصل الذي نبتَ فيه علم البلاغة إلى أن استوى عوده واستقام، وسيلحظ – أيضًا- أنّ المرحلة الرابعة مرحلة غنيةٌ بدارسي البلاغة من الأعلام الذين كانت لهم إضافات جليلة، ولا سيّما تلك الإضافات التي هدفت إلى تيسير البلاغة لدارسيها في بيئاتها المختلفة، وسَعت إلى إيضاح مشكلاتها، وصياغة مصطلحاتها العلمية بعد الاستفادة من ذلك التطوّر الكبير في مجالات العلوم المختلفة، فضلاً عن التجديد في الشواهد والنصوص والاهتمام بدراستها وتحليلها، ولهذه الإضافات في الدراسات البلاغية المتأخرة أهمّيتها التي لا يمكن إهمالها أو تجاوزها حين النظر في تاريخ تطوّر البلاغة عبر عصورها وبيئاتها المختلفة، مع مراعاة الظروف والأسباب التي رافقت ذلك التطوّر.

وإذا كانت البلاغة العربية في مرحلتها الأخيرة قد وُصفت بالجفاف والجمود، ووُصفت مناهج علمائها بالتكرار والتعقيد، فإنّه لا بدّ للدارس من النّظر بعين الإنصاف إلى التراث البلاغي القديم، والبحث بدايةً في الأسباب التي كانت وراء التعقيد والغموض اللذين لوحظا في بعض مسائل هذا العلم، ولا سيّما في علاقة البلاغة بالفلسفة وعلم الكلام، وما أثاره الدارسون المحدثون بشأن هذه القضية، ثمّ دراسة جهود قدامى البلاغيين في تيسير الدرس البلاغي من خلال الوسائل كالتلخيصات والشروح، ومن خلال المناهج، والموضوعات، والمصطلحات، مع الإشارة إلى جهود الخطيب القزويني (739هـ) الذي يمثّل المدرسة الكلامية، وابن الأثير (638هـ) الذي يمثّل المدرسة الأدبية، ويحيى بن حمزة العلوي (749هـ) الذي يمثّل امتزاج المدرستين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير