تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أغراض حذف المسند أو تركه]

ـ[هيثم محمد]ــــــــ[23 - 08 - 2007, 02:36 م]ـ

إذا تبيّن لنا ذلك، فإنّنا نَدخل مباشرة إلى الحديث عن الأغراض البلاغية لحذْف المسنَد في الكلام البليغ، فنقول:

إنّ هناك أغراضاً عامّةً للحذْف بصورة عامة، سواءٌ كان في المسنَد، أو في المسنَد إليه، أو في غيرهما. هناك أغراض عامّة توجَد في كلّ حال، يدخل فيها -بالطبع- حذف المسند.

وأوّل هذه الأغراض العامة: الإيجاز الذي يجعل العبارة محكَمة، دقيقة، خالية ممّا لا حاجة لذِكْره فيها. فالإيجاز غرض عامّ في كلّ حذف، ويدخل فيه حذف المسنَد.

وثاني الأغراض العامة لأي حذف هو: إثارة الفِكر والشعور حين لا يُعوِّل في الدلالة على المحذوف على الألفاظ، بل على العقل والفكر؛ فيكون ذلك أدعى للنشاط الذهني من المتلقِّي، ويكون أبعد عن الخمول الفكري.

وثالث الأغراض العامّة لكلّ حذف -ومنه حذْف المسنَد-: تصفية العبارة وصيانتها من التمدّد الثقيل. يعني: ما دام هناك دليل يدلّ على المحذوف، فلا داعي لذِكْره، حتى لا تمتدّ العبارة بكلام يمكن الاستغناء عنه. وهذا كان من طبيعة العربية في عصورها المزدهرة الأولى: في العصر الجاهلي، وفي عصر صدر الإسلام. كانت تميل إلى الإيجاز، والتخلّص ممّا لا حاجة للمستمِع إليه؛ ولذلك كان كلّ حذفٍ في الكلام العربيّ البليغ يحقِّق ثلاثة أغراض عامّة: الإيجاز، إثارة الفكر والشعور، تصفية العبارة وصيانتها من التمدّد الذي يُثقلها.

هذا، وكّل حذف في الكلام -كما هو معلوم- يتوقّف على أمريْن اثنيْن يُسيغان هذا الحذف، ويجعلانِه مقبولاً:

أولاً: أن يقتضي المَقام الحذْف.

ثانياً: أن تكون هناك قرينة دالّة على هذا الحذْف.

وبدون هذيْن الأمريْن معاً -وهما: اقتضاء المقام للحذف، وقيام القرينة الدالة على المحذوف-، يكون الحذف ضرباً من العبث في الكلام، أو نوعاً من الإلغاز والتّعمية التي تُخلّ بفصاحته. ما دام ليس هناك ما يقتضي الحذف، فإنّ الحذف يُعدّ عبثاً في كلام البلاغيِّين، أو في المعيار البلاغي. ما لم يكن هناك قرينة على المحذوف، فإنّ ذلك يُعدُّ نوعاً من الإلغاز والتعمية، والمتكلم عندما يتكلّم، إنما يتكلّم ليُبِيْن وليُفصح، لا ليعمِّي وليُلغز. هذا عن الأغراض العامّة، وعن اقتضاء المقام، وعن القرينة.

والآن نتّجه إلى البحث عن الأغراض الخاصة الكامنة وراء كلّ حذْف اقتضاه المقام، فلا بدّ في كل موضع حَدث فيه حذْف من أن يكون للحذف غرض خاص في هذا الموضِع، يضاف إلى الأغراض العامة الثلاثة التي تحدّثنا عنها فيما سبق. إذاً، هناك أغراض خاصة كامنة وراء كل حذْف اقتضاه المقام، لكنّ هذه الأغراض الخاصة أكثر من أن تُحصى. يعني: لا نستطيع أن نضبط عَددها، وأن نحصرها في قائمة. لماذا؟

لأنّ أغراض الحذف الخاصة ترتبط بأحوال النّفس -نفْس القائل، ونفْس المستمع-، وترتبط بالظروف والملابَسات التي تدعو إلى الحذف. والظروف والملابسات التي تدعو إلى الحذف كثيرة متنوِّعة، كما سبق أن أشرنا إليها في حذْف المسنَد إليه.

وهناك التقاء كبير بين الأسباب والدواعي لحذْف المسند إليه وحذف المسنَد، كالاحتراز عن العبث في الذِّكر بناءً على الظاهر من القرينة، وكاختبار تنبّه السامع أو مقدار تنبّهه عند قيام القرينة، وضِيق المَقام بسبب التحسّر أو التوجّع، أو المحافظة على وزنٍ أو قافية. وأيضاً منها: اتّباع الاستعمال الوارد على الحذف، وغير ذلك ممّا سبق ذِكْره في حذف المسند إليه. ولا مانع من اجتماع أكثر من غرض في حذْف واحد، لأنّنا قلنا: إنّ النِّكات البلاغية لا تتزاحم. وما دامت الأغراض الخاصة بالحذف في المسنَد أو المسنَد إليه غير مُمكنة، وتَفوت الحَصر، فإنّنا سوف نحاول أن نقدِّم منها نماذج للتدرّب والتذوّق، حتى نستطيع بعد ذلك أن ننطلق فنبحث عن السّر الخاص في كل حذْف في كلام بليغ نقرؤه أو نطّلع عليه.

فقد أورد البلاغيّون عدّة شواهد ونماذج لحذْف المسنَد، نتعرّض لبعضها، موضِّحين السِّرّ الخاص وراء هذا الحذْف، لتتّضح الصورة بشكل أوفَى وأتمّ بالمراد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير