إن شح المصادر وانقطاع النسب أوقع المؤرخين والنسابة خلال القرون الثلاثة السابقة في حيرة إزاء الأرومة التي يعود اليها نسب قبيلة بني ياس مع تقديرنا لاجتهادهم وحرصهم على إثبات ما اعتقدوا أنه الصواب، لكن الأدلة التي توصل اليها الاستاذ حماد وساق جزءا منها فقط في كتابه المختصر (أوثق المعايير) تعتبر من وجهة نظري أرجح من كل ما سبق وأدنى إلى الصواب دون جزم مني بذلك بسبب انقطاع النسب مابين الشيخ هلال الجبلي جد عشيرتي آل بوفلاح وآل بوفلاسة الذي عاش في فترة غامضة وبين جبلة بن أحمد بن إياس بن عبدالأعلم الكلبي القضاعي والله تعالى أعلم.
آل بوفلاح وآل بوفلاسة الهلاليون:
هناك معلومة غاية في الأهمية وردت في المخطوطة القطرية التي اطلع عليها حماد لدى الشيخ ناصر بن علي آل ثاني والمنقولة شفهيا عن المرحوم الشيخ محمد بن أحمد آل ثاني، نرجو أن تجد سبيلها الى النشر في كتاب حماد الموسع، مفادها أن آل بوفلاح هم ذرية الشيخ فلاح بن هلال بن فلاح بن هلال الجبلي الياسي وأن شقيقته (فلاسة) تزوجها الشيخ راشد بن عامر بن هلال الجبلي الياسي أحد بني عمومتها الأقربين وأن ذريته منها أطلق عليهم آل بوفلاسة وبالتالي فإن العشيرتين من أرومة واحدة، وهما معا تشكلان نواة حلف بني ياس لكونهما البطنين الصريحين من ولد جبلة بن أحمد بن ياس.
وقبل هذا التفرع الى فلاحي وفلاسي كان الانتساب الى جد أبعد هو (هلال الجبلي) ويساند هذا عدد من الأبيات الشعرية التي وردت في قصيدة قديمة للشاعر محين الشامسي قالها في أواخر القرن الثامن عشر ممتدحا أحد شيوخ آل نهيان القدامى وناسبا له إلى هلال:
(ما وجدت المشيخة لك مستعار
من نهيان وورثة بن هلال)
وقوله عن عشيرة هذا الشيخ النهياني:
(عاضنا الله عن رفاقتنا بقوم
من مشاهيب الحروب بني هلال)
- ومن ذلك بيت ورد في قصيدة للشاعر مبارك العقيلي يمتدح فيها الشيخ زايد بن خليفة وقومه آل بوفلاح:
(فلاحية قد أفلحوا بفعالهم
هلالية أهل الوجوه السوافر)
إن غموض تاريخ هذا الجد القديم (هلال) الذي تتزعم ذريته حلف بني ياس منذ القدم واحتمال أن يكون بعيدا تاريخيا قد أوقع النسابة والمؤرخين المتأخرين والشعراء في الخطأ فقد اشتبهوا بأنه ربما يكون هلال بن عامر بن صعصعة الذي هاجر قسم كبير من ذريته الى مصر ومنها الى تونس وبقية شمال افريقيا في القرن الخامس الهجري وترتبط بهجرتهم اسطورة تغريبة بني هلال وبطلها أبو زيد الهلالي والذي كانت سيرته تقرأ في المجالس قديما، ومن الجدير بالذكر أن الشاعر محين الشامسي كان يكني عن آل بوفلاح باسم (الزغابا) وهي عزوة بني هلال العامريين المهاجرين الى تونس نسبة الى بطن منهم يسمى زغبة وهم ذرية أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر، ومن ذلك قول محين في قصيدة له:
(ياه الذي ياخذ قضاه وزايد
قوم الزغابا من سلالة زايد)
وقوله:
(الزغابا لي يحثون الركاب
في الخرايم كنهن ربد يفالي)
وقوله من قصيدة يرثي فيها رحمة بن جابر الجلاهمة عام 1826م:
(في ثار من لا للمدانق يوالي
روس الزغابا من نسب من يوالي)
أصل آل بوفلاح
انساق مؤرخونا المحليون المتأخرون زمنيا وراء الاعتقاد بتفرع آل بوفلاح من هلال بن عامر بن صعصة، وأبرز هؤلاء المؤرخين هو الشيخ عبدالله بن صالح المطوع في كتابه (الجواهر واللآلئ في تاريخ عمان الشمالي) ويقول بعد أن نسبهم في هلال بن عامر “وقد امتدحهم الشعراء ونسبوهم الى الزغابا من هذه القبيلة” ص 16. وتابعه على ذلك المؤرخ حميد بن سلطان الشامسي في كتابه (نقل الأخبار في وفيات المشايخ وحوادث هذه الديار) ص221 حيث يقول بأن آل بوفلاح هم رهط وبقية من بني هلال.
وهم قرابة
هناك مسألة جديرة بالانتباه ألا وهي عدم وجود رابطة قبلية بين هلال الجبلي جد عشيرتي آل بوفلاح وآل بوفلاسة من ناحية وهلال بن زامل الجبري العقيلي الذي ينحدر منه قاطع الطريق ناصر بن قطن الهلالي الذي التجأ الى بني ياس في الظفرة في ثلاثينات القرن 17م كما مر آنفا، ولعل انقطاع النسب وتشابه النسبة (الهلالي) قد أوهم الجميع آنذاك بوجود صلة قرابة تحتم التعصب لهذا اللاجئ وحمايته بل والاستماتة في الدفاع عنه أمام الجيش اليعربي
خاتمة
لست أزعم أن كل ما توصل اليه حماد الخاطري في بحثه حقائق يقينية لكن اطروحاته في مجملها قوية جديرة بالاعتبار، كما أن انتقادات الكاتب أحمد محمد عبيد لا تخلو في بعض جوانبها من حق لولا اسلوبها اللاذع مما يسمها بالنقد الهدام. وإن الأيام كفيلة بإظهار المزيد من الدلائل المتناثرة في المصادر المخطوطة والوثائق وأذهان الرواة والتي ستضاف الى ما جمعه حماد فإما أن تؤيد ما توصل إليه من استنتاجات وإما أن تعارضها، والله نسأل أن يوفق باحثينا للكشف عن المزيد من المعلومات حول أنساب وتاريخ شعب الامارات وجدير بنا أن نشجعهم ونقدر مجهوداتهم ونأخذ بأيديهم فلكل مجتهد نصيب.
المصدر:
http://www.alkhaleej.ae/articles/sho...cfm?val=385993