تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالحذف مثل قوله تعالى {وَسْئَلِ ?لْقَرْيَةَ} أَى أَهلها {وَلَـ?كِنَّ ?لْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِ?للَّهِ} أَى برّ من آمن. والاختصار {وَلَكُمْ فِي ?لْقِصَاصِ حَيَاةٌ} هذه أَربع كلمات وستة عشرة حرفاً يتضَّمَّن ما ينيِّف على أَلف أَلف مسأَلة، قد تصدَّى لبيانها علماءُ الشريعة، وفقهاءُ الإِسلام فى مصنَّفاتهم؛ حتَّى بلغوا أُلوفاً من المجلَّدات، ولم يبلغوا بعدُ كنهَها وغايَتَها.

وأَمَّا تشبيه الشىءِ بالشىءِ فنحو قوله تعالى {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} وقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ?شْتَدَّتْ بِهِ ?لرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ?لسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} وكلُّ مَثَل من هذه الأَمثال دُرْج جواهر، وبُرْج زواهر، وكنز شرف، وعالَم عِلم، وحُقُّ حقائق، وبحار دُرَر دِراية، ومصابيح سالكى مسالك السنَّة. ولهذا يقال: الأَمثال سُرج القرآن.

وأَمَّا استعارة المعنى فكالتعبير عن المضىِّ والقيام بالصَّدع {فَ?صْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أَى قُم بالأَمر، وكالتعبير عن الهلاك، والعقوبة بالإِقبال والقدوم {وَقَدِمْنَآ إِلَى? مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ}، وكالتعبير عن تكوير الليل والنهار بالسَّلخ {وَآيَةٌ لَّهُمُ ?لْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ?لنَّهَارَ} ولا يخفى ما فى أَمثال هذه الاستعارات من كمال البلاغة، ونهاية الفصاحة. يحكى أَنَّ أَعرابيّاً سمع {فَ?صْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} فلم يتمالك أَن وقع على الأَرض وسجد، فسئل عن سبب سجدته فقال، سجدت فى هذا المقام، لفصاحة هذا الكلام.

وأَما تلاؤم الكلمات والحروف ففيه جمال المقال، وكمال الكلام؛ نحو قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ} {يَ?أَسَفَى? عَلَى يُوسُفَ} {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} {فَأَدْلَى? دَلْوَهُ} {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} {وَجَنَى ?لْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} ونظائرها.

وأَمَّا فواصل الآيات ومقاطعُها فعلى نوعين: إِمَّا على حرف كطه؛ فإِنَّ فواصل آياتها على الأَلف، وكاقتربت؛ فإِنَّ مقاطع آياتها على الراء، وإِمَّا على حرفين كالفاتحة؛ فإِنَّها بالميم والنُّون: {?لرَّحْمـ?نِ ?لرَّحِيمِ مَـ?لِكِ يَوْمِ ?لدِّين} ونحو {ق? وَ?لْقُرْآنِ ?لْمَجِيدِ} فإِنَّها بالباءِ والدَّال.

وأَمَّا تجانس الأَلفاظ فنوعان أَيضاً: إِمَّا من قبيل المزاوجة؛ كقوله {فَمَنِ ?عْتَدَى? عَلَيْكُمْ فَ?عْتَدُواْ عَلَيْهِ} {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ?للَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} {يُخَادِعُونَ ?للَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً} {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ?للَّهُ} {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} {هَلْ جَزَآءُ ?لإِحْسَانِ إِلاَّ ?لإِحْسَانُ} وإما من قبيل المناسبة كقوله {ثُمَّ ?نصَرَفُواْ صَرَفَ ?للَّهُ قُلُوبَهُم} {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ?لْقُلُوبُ وَ?لأَبْصَارُ}.

وأَمَّا تصريف القِصَص والأَحوال فهو أَنَّ الله تعالى ذكر بحِكَمهِ البالغة أَحوال القرون الماضية، ووقائع الأَنبياءِ، وقصصهم، بأَلفاظ مختلفة، وعبارات متنوِّعة، بحيث لو تأَمّل غوّاصو بحار المعانى، وخوَّاضو لُجَج الحُجَج، وتفكّروا فى حقائقها، وتدبَّروا فى دقائقها، لعلموا وتيقَّنوا (وتحققوا) وتبيَّنوا أَنَّ ما فيها من الأَلفاظ المكرَّرة المعادات، إِنَّما هى لأَسرار، ولطائف لا يرفع بُرْقع حجابها من الخاصَّة إِلاَّ أَوحدُهم وأَخصُّهم، ولا يكشف سِتر سرائرها من النحارير إِلاَّ واسِطتهم وقصهم.

وأَمَّا تضمين الحِكَم والأَسرار فكقولنا فى الفاتحة: إِن فى {بِسْمِ} التجاءَ الخَلْق إِلى ظلِّ عنايته، وكلمة الجلالة تضمَّنت آثار القدرة والعظمة، وكلمة الرَّحم?ن إِشارة إِلى أَنَّ مصالح الخَلْق فى هذه الدَّار منوط بكفايته. وكلمة الرَّحيم بيان لاحتياج العالَمين إِلى فيض من خزائن رحمته. والنِّصف الأَوَّل من الفاتحة يتضمَّن أَحكام الرُّبوبيَّة. والنصف الثَّانى يقتضى أَسباب العبوديَّة. وخُذْ على هذا القياس. فإِنَّ كلَّ كلمة من كلمات القرآن كنزُ معانٍ، وبحر حقائق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير